عوضين ابن ستيتة مستغربا: الله أكبر.. وهانوا عليك الخمسة ملايين جنيه ترميهم كده مرة واحدة يا شنوانى بيه؟!! شنوانى بيه أبو جاموس: ويعنى أنا يا واد يا عوضين يابن ستيتة كنت بارميهم في حضن حد غريب دى بلدنا وحكومة بلدنا يا وله.. إنت ماسمعتش الجدع اللى بيقول " حبيت بلدى وعشان بلدي... أنا عايزك تكبر يا ولدي.. وأشوفك بتعمر فيها وبتزرع ورد في صحاريها.. وبتبنى مصانع يا ولدى.. تغنيها وتسعد أهاليها " أومال انت فكرك إيه يعني.. حب الوطن يبقى بالكلام كده وبس ولا إيه؟!! ما كنش حد غلب ولا كنا اتقدمنا خطوة طول عمرنا.. ويعنى إحنا كنا بنشقى بره ونتغرب ونلم فلوس عشان إيه مش عشان ربنا يكرمنا في بلدنا ونساعد أهالينا ونعلى بيهم ؟! الحاج بعضشى وقد كادت الدمعة أن تفر من عينيه: يا سلام.. ربنا يكرمك يا شنوانى بيه ويحميك يا أبو الكرم والإنسانية.. روح يا شيخ قلبى وربى راضيين عليك يابن الكفر البار المجدع.. ربنا يكتر من أمثالك ويخلى لك مالك وعيالك.. سالم نبهان المحامى متسائلا: وانت على كده يا شنوانى بيه راجعت عقدك مع الدولة كويس وخدت بالك تمام من الشروط اللى فيه ومن إمكانية التزامك والتزام الحكومة بيها؟!! شنوانى بيه مستغربا: إنت بتقول إيه يا سالم يا بني؟!! طبعا.. دى ألف باء أي حاجة بعملها بعد ما سافرت بلاد بره واتغربت واتمرمطت في جمع الفلوس دي، وبعدين ده عبد الله رشدى المحامى القدير بذات نفسيه كان معايا وأنا بمضى العقد مع سيادة البيه الوزير المحافظ، وعشان تطمن العقد في جيبى أهوه خد بص عليه واطمن وطمن أهالي الكفر بنفسك.. يتناول سالم نبهان العقد من شنوانى بيه وتبدأ حدقتا عينيه في الاتساع وحاجباه في الصعود والهبوط مثل مصعد مجنون لا يتوقف عند أي دور من الأدوار: إيه العقد المنيل ده يا شنوانى بيه ؟!! ده عقد إذعان ده مصيبة ونايبة تقيلة هتحط على نافوخك قريب وقريب جدا كمان.. استعوض ربنا بقى في فلوسك ويا خسارة تعبك وشقى عمرك وأحلام الناس الغلابة دى اللى حطوا أملهم وأمل عيالهم عليك وع المشروع بتاعك.. شنوانى بيه وقد كاد قلبه يتوقف من كثرة القلق: عقد إذعان إيه.. وبتنجان إيه يا سالم يا بنى ؟!! فهمنى الله لا يسيئك أنا ما عدتش فاهم حاجة أبدا!! أنا البيه المحافظ بذات نفسيه ماضى لى ع العقد وعبد الله رشدى بعد ما لهف منى دم قلبى قال لى إن هي دى العقود المضمونة المية مية اللى بتديها الدولة للمستثمرين أمثالي.. سالم نبهان بسخرية مريرة: ها ها ها.. المستثمرين أمثالك ؟!! انت في العقد ده لا مؤاخذة مجرد جاموسة يا شنوانى بيه بتحلب لبن للحكومة ولو جيت في مرة حرنت ولا لبنك خلص هيخدوا أرضهم بكل الإنشاءات والمشاريع اللى سعادتك شيدتها عليها ويقولوا لك أمك في العش ولا طارت.. شنوانى بيه وقد بدأت الأرض تميد من تحت قدميه: يا لهوي... أمال عبد الله رشدى الله يخرب بيته ما قليش كده ليه؟! ده عقد مختوم بختم النسر الرسمى يا سالم يا ابنى ركز كويس وراجع القانون بتاعك شوية يمكن تكون اتلخبط ولا سوهى عليك ولا حاجة.. سالم نبهان مكملا سخريته: للأسف هو ده النسر اللى هياخد شقاك ويطير يا عم شنواني.. خد مثلا يا عم البند الرابع ده: يقر الطرف الثانى - اللى هو انت – أنه قد عاين الأرض موضوع العقد معاينة تامة نافية للجهالة وأنه على علم تام بالمخاطر الطبيعية التي قد تحدث في المنطقة التي تقع بها الأرض محل العقد مثل السيول والزلازل وغيرها وأنه قبل الانتفاع بها على هذه الحالة التي هي عليها وأنه مسئول مسئولية كاملة عن أي مخاطر تحدث له أو للغير نتيجة هذه السيول أو الزلازل وأن توقيعه على هذا العقد يعد إقرارا منه بذلك، طيب أنا هسألك سؤال يا عم شنوانى هو ربنا ادى علمه بتاع السيول والزلازل لحد لما هيديه ليك انت وتبقى مسئول عنه مسئولية كاملة وعن البلاوى اللى تحصل لك وتحصل للغير كمان ؟!! ولا البند المنيل ده: يلتزم الطرف الثانى بعدم التصرف في الأرض موضوع العقد بالبيع أو التنازل عنها للغير بأى طريقة من طرق التنازل ويعتبر كل تصرف يتم بالمخالفة لأحكام هذا العقد لاغيا ويفسخ العقد تلقائيا دون الحاجة إلى تنبيه أو إنذار أو استصدار حكم قضائى مع حق الطرف الأول في الحصول على كل مستحقاته من الطرف الثانى مع استرداد الأرض بما عليها من منشآت أو مشروعات دون أدنى اعتراض أو أن يكون للطرف الثانى الحق في المطالبة بأى تعويضات مالية أو عينية ويكون مجرد توقيعه على هذا العقد إقرارا منه بذلك... وبينما كان سالم نبهان يتلو بقية بنود العقد المجحفة والتي تساهم بنصيب كبير في هرب أي مستثمر عنده ذرة من العقل من أحضان هذا الوطن العجيب، كان الهاتف المحمول يرن في جيب شنوانى بيه الذي استوقفه ريثما يستلم المكالمة التي ظل يستمع إلى من يحدثه فيها لمدة دقيقة متواصلة دون أن ينبس ببنت شفة ثم خر من على كرسيه مغشيا عليه قد فارق الحياة، وبعد أن هب جميع الحاضرين لمحاولة إسعاف "شنوانى بيه أبو جاموس"، كان سالم نبهان يحدث الشخص المتصل على الطرف الآخر والذي تبين أنه مدير أعمال سالم بيه في المشروع الكبير، وقد اتصل به ليبلغه أن المحافظة سحبت منهم الأرض التي كانوا سيقيمون عليها مشروعهم السياحى بالقوة الجبرية وما عليها من منشآت، لأن أحد السيول القوية مر من أمامها وتسبب في هدم منزل أحد الجيران، ووفقا للبنود التي وقع عليها شنوانى بيه في عقد الإذعان !!!