بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف على ثورة يناير المجهضة والمشوهة عن عمد، نصل للمشهد المصرى الراهن حيث انقسم المجتمع بين نادم على ثورة أتت نتائج عكسية وقليل حالم بسيادة قيمها وكاره لاسمها مستحضرا حالة الانفلات الأمني والأخلاقى الذي كان متواجدا تحت السطح ثم طفى بعد انسحاب الأمن عن عمد من الشارع عقابا للثوار ومن ساندوهم وكنتيجة طبيعية لإفساد السادات ومبارك لهذا الوطن على مدى أربعة عقود تبدلت فيها القيم وانقلبت رأسا على عقب، من إنما الأمم الأخلاق ما بقيت إلى معاك جنيه تساوى جنيه ومن فن أم كلثوم الراقى الذي علم الناس جماليات اللغة بكل بساطة وتحضر إلى الابتذال المسمى بالغناء الشعبى ومهرجانات صاحبة السعادة! الشعب بدا كثير منه يائسًا محبطًا من ضياع حلم العدالة وأصبح جل هدفه استعادة دولة القمع والشدة والعقاب ظنا أنها ستجلب لهم الأمان والاستقرار ودولة العادة والروتين حتى وإن كان مشعبا بالفساد والمحسوبية وانعدام المساواة أو ما يعرف في بلاد الغرب الكافر بالمواطنة! فنظرا لما قاساه الضعفاء من غياب للأمان وإهدار متعمد لهيبة الدولة من سادتها حتى يكفروا تماما بالثورة وبما يقربهم منها مستقبلا.. يحلم الكثيرون بعودة الاستبداد الذي يحمل معه الأمان المنشود حتى وإن عاش أجيرا في وطن يعتبره ساكنا في شقة محدودة المساحة لا يعرف شىيئا عنه سوى مدينته الصغيرة أو منطقته السكنية أو على الأكثر المحافظة التي ينتمى لها إقليميا، فأنى له بمشاهدة آثار بلاده أو جمالها المتنوع وهو يعيش حياته يوما بيوم يؤرقه رغيف العيش الحاف ثم يفكر في الغموس ويظل يحلم بذلك ! لذا فالكثيرون يؤيدون المشير أو أي رجل عسكري قوى صارم شديد يحمل لهم إرثا يحنون إليه وافتقدوه لأكثر من ثلاث سنوات، الأمن وفقط وبعد ذلك كل شىء لا يهم !!! يا باشا الشعب ده ما ينفعش معاه إلا الكرباج !! والله صدقنى من أيام الإنجليز وقبلهم المماليك والتراكوه، هما فهمونا صح وعلشان كده عرفوا يحكومنا !!! هذا ما قاله لى حرفيا أحد أشباه المتعلمين وهو يدافع عن حقه في حاكم لا يهمه حلم الثورة وقيمها أو حتى العدالة التي حرموه هو وأمثاله منها طوال حياتهم، يعبد جهله ويؤمن تماما بدونيته ويرى أن معاملته كإنسان انتقاص للناموس الإلهى الكونى وخاصة المصرى ! ستجد أيضا من يبلور ويفسر التفاوت الطبقى وانحياز الدولة لفئات بعينها توارثت المناصب العليا والسيادية والاقتصادية مكونة ميليشيات اقتصادية بيروقراطية تعبر عنها بوضوح صفحة الوفيات في أي جريدة مصرية حيث تجد الباشا المتوفى شقيق الباشا الكبير وزوج الهانم في وزارة كذا أو صاحبة مصانع كذا نسيبة عائلات المال والسطوة والحظوة! ستجد ذهنه قابلا لذلك. متعللا بأن شيخه الجهول ربيب موائد النفاق أقنعه بأن الناس طبقات ودرجات! إكفر بقى يا عم أو اعترض على حكم ربنا ! لم يفكر يوما بأن الله لا يرضى لعباده الظلم وأننا جمعيا لآدم وآدم من تراب، لذا فالكثيرون يريدون جلادا وليس رئيسا بدرجة خادم للوطن ! [email protected]