«1» سيتعجب كثيرون لو علموا لمن صوتُّ فى الانتخابات. ليس لأن هذا يهم أحدا، بل لأننا نكوّن عن بعضنا بعضا صورا ذهنية. والعبد لله قد يبدو راديكاليا، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق. بل أعتقد أن الإنسان يستطيع أن يضع مقام الشارع وآلياته فى مقامها، والانتخابات فى مقامها. التشدد فى الشارع واجب للتعامل مع سلطة غاشمة، تستبد بالسلطة، وتعتقد أنها ملك لها، لا سيما فى وجود قطاع عريض من الجماهير لا يزال، بعد كل ما حدث، يعتقد أن هذا هو الطبيعى، وأن السلطة لقيصر، والدين لرجال الدين، ونحن المواطنين الغلابة لنا الصلاة ع النبى وشرف خدمتهما. فى مواجهة هذا لا بد من الصدمات، من تكسير التابوهات، من الولوج فى الحمى لا الاكتفاء بالرعى حوله، ولا بأس من بعض الحدة وتعمد هدم جبل «الاحترام» المفروض علينا فرضا نحو أشخاص لا يستحقونه. لا بأس من تعمد سحبهم من أبراجهم العاجية التى سكنوا فيها بوضع اليد، ووضع السلاح فى صدغ الرأس، أو وضع الدجل فى محاليل الوريد. هذا فى الشارع. أما فى الحكومة، فلا أريد مواطنين برتبة مناضلين. بل أريد أناسا يقيمون دعائم الدولة. ينمون اقتصادها. يحققون العدالة الاجتماعية بطريقة مبتكرة وليس بطريقة توزيع الأرغفة العشرة صباح كل يوم على سجناء الرعاية المتكاملة الشاملة من الدولة، دون التفكير فى كيفية توفير بعض العسل، ثم بعض القشدة، ثم بعض البيض، وصولا إلى بعض الجاتوه والفاكهة. دون التفكير فى توفير مستويات تعليم عالمية، وطرقات لا تصطاد أرواح المواطنين، وهواء لا يتلف صدورهم. أريد أشخاصا يحسنون الإدارة لا الخطابة، ويضعون العملى قبل الأيديولوجى. رصيد الوطن فى خزانة مصرفه المركزى أهم لديهم من رصيد الحناجر التى تهتف باسمهم. هويتهم هى مصلحة الناس، ودينهم هو وفاء الأمانة للمواطنين، وما يربط بينى وبينهم هو القانون، لا شىء غيره. لا دينى يحضنى على حبهم ولا وطنيتى تحتم علىّ حبهم. بمعنى آخر، علاقتى بهم وظيفية. إن أحسنوا أداء وظيفتهم وضعتهم على رأسى، وإن لم يحسنوا سحبت عنهم تأييدى. وبين هذا وذاك درجات وظلال من الألوان لا تقتصر على الأبيض والأسود. بالنسبة لى هذا ما قامت الثورة من أجله: إقامة مجتمع ديمقراطى حر، يختار بنفسه حكامه، ويحاسبهم، ويضمن تداول السلطة مع تغير أمزجة الناخبين من دورة إلى دورة. لم تقم لفرض اتجاه أيديولوجى معين ولا الانتصار له. وقد أسعدنى أن أربعة كنت واحدا منهم تبادلوا أطراف الحديث فى إحدى أمسيات التحرير وتطرق الحديث إلى الانتخابات ولمن سنعطى أصواتنا؟ وأننا اختلفنا حول ذلك دون أن يفسد هذا الخلاف للود قضية على الإطلاق، ودون أن يقول واحد منا لصاحبه: لكن اختيارك ليس ثوريا. فلا اختيار ثوريا، إنما الاختيار، فى حد ذاته، هو الفعل الثورى بامتياز. قد أكون مخطئا فى اختيارى ذاك، سأكتشف ذلك فى البرلمان، فليس هناك ضمانة سماوية لاختيارى البشرى. قد يبرز فى المستقبل القريب أو البعيد من يكون أحسن ممن اخترت. سأبدل توجهى على الفور. فلا ولاءات قبلية أو دينية أو طائفية فى اختيارى. فى عرفى السياسى، لا فضل لمواطن على مواطن فى العمل العام، إلا بتحقيق المصلحة. «2» روى لى أصدقاء فى الجماعة الإسلامية هذه الواقعة: ألقى القبض على أخ ونقل إلى مبنى أمن الدولة، حيث جرى تعذيبه تعذيبا مؤلما. كان الأخ مع كل ضربة هنا وهناك يسب معذبيه بألفاظ نابية: «يا ولاد الوسخة.. يا ولاد...». فقال له أحد معذبيه مستهزئا بينما يواصل تعذيبه، «مش عيب عليك يا أخ فلان تشتم شتايم زى دى وانت راجل عارف ربنا ومؤدب؟!» فرد عليه الأخ وهو يصرخ: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم»... يا ولاد الوسخة! أقول هذا لمن لا يلتفتون إلى أن من يحرض على شباب التحرير حاليا، وينسى القتلة والمجرمين «الهاربين» الذين قتلوا 43 شخصا قبل أيام، و27 فى ماسبيرو، وأكثر من ألف فى الثورة الأولى، إنما فى الحقيقة يهيئ الساحة لمزيد من القتل. أقول هذا لمن يلومونا على «إساءة الأدب» مع هؤلاء. حاضر، على راسى أدبكم ورقتكم وتهذيبكم.. يا ولاد الناس الطيبين. لن أقول لأولاد الأفاعى يا أولاد الأفاعى مرة أخرى.. علشان عيب! سأقول لهم «مايصحش الكلام اللى بتقولوه ده، دا ممكن يخليهم يقتلوا إخوانّا أكتر وأكتر. كده كخه