قال لى ناشط سياسى صديق إنه لم يقرأ حرفا فى البيان الذى صدر عن اجتماع قيادات بعض الأحزاب مع الفريق سامى عنان يوم السبت الماضى، ومع ذلك لم يتردد فى إعلان رفض كل ما جاء فيه، فلما لاحظ الصديق ملامح الاستغراب والدهشة تغزو وجه العبد لله تابع مفسرا.. لقد اكتفيت بالاطلاع على قائمة الموقعين على هذا البيان، وعندما اصطدمت عينى ببعض الأسماء و«الأشياء» الحزبية الوهمية التى يمثلونها تأكدت تماما أن ما أسفر عنه الاجتماع لا بد أن فيه مصيبة سوداء سوف تقع على دماغ الشعب المصرى!! بعد ذلك راح صديقى الناشط يذكرنى ب«صحيفة سوابق» كل واحد من هؤلاء الذين أعتبرهم بحق من «أوسخ» مخلفات عصر المخلوع أفندى، الذى كانت أجهزته الأمنية تخترعهم اختراعا من العدم لكى «يعملوا شوية معارضة»، فإذا بهم بعد أن يحصلوا على تراخيص حزبية يستخدمونها استخدامات متعددة ليس من بينها المعارضة، وإنما أحيانا يستعملونها «كطفاشة» لفتح خزينة الوطن. ختم صديقى كلامة بالقول: على فكرة حكاية «الطفاشة» هذه استعرتها من مقال كتبته أنت العام الماضى قبل أسابيع قليلة من الانتخابات المزورة، التى أسهمت فى قصف عمر نظام الأستاذ المخلوع. عدت إلى أرشيفى ووجدت المقال الذى نشرته فى «الدستور الأصلى» بتاريخ 7 أغسطس 2010 فقررت أن أستريح اليوم وأعيد نشر أغلبه.. فإلى سطوره: أعترف بأننى من الأغلبية التى تقدر وتحترم الموهبة الكوميدية الفذة التى تمتع بها الأستاذ المرحوم الرئيس أنور السادات ووظفها توظيفا خطيرا لخدمة حكمه، وقد كان أحد أظرف وأخبث تجليات هذه الموهبة أن المرحوم أسس نظاما سلطويا عجيبا وفريدا من نوعه، يبقى على الجوهر الديكتاتورى والقمعى لكنه يلون خلقته الشائهة المشوهة برتوش وأصباغ «تعددية» مزيفة، وبمقتضى هذا النظام فإن الحكم بنفسه هو الذى يختار معارضيه ويعينهم بقرار جمهورى (بعد ذلك أضحى هذا القرار من اختصاص معاون المباحث) فى وظيفة «معارض ميرى» معتمد ومختوم على قفاه بختم النسر. وربما ما زال هناك من يتذكر كيف أصدر الرئيس الراحل أمام كاميرات التليفزيون، قرارا يقضى باختراع حزب جديد (هو حزب العمل الاشتراكى آنذاك) لكى يعارضه المعارضة التى يحبها جنابه، وحتى يساعد الحزب الوليد على الوفاء بشروط التأسيس، لم يتحرج السادات من «تسليف» مؤسسيه علنا عددا من النواب الحكوميين، تزعمهم صهره النائب محمود أبو وافية، ثم أصدر فى اللحظة عينها وقبل أن تجتمع لجنة الأحزاب التى «أفتكسها» قرارا آخر بتعيين وترقية الحزب المخترع إلى درجة «معارض أول» لحكومة سيادته!! لكننا نعرف الآن أن «حزب العمل» هذا تمرد وخالف بقوة شروط اختراعه، وتمكن تحت قيادة نخبة من السياسيين المحترمين من تحويل «الديكور» إلى معارضة جادة وحقيقية، انتهت فى عصر الرئيس مبارك إلى العصف بالحزب وتجميده وإغلاق صحيفته وإدخال رئيس تحريرها الزميل مجدى أحمد حسين السجن مرات عدة، آخرها مستمر منذ نحو عامين بتهمة «دخول مصر» والتضامن مع أهلنا المحاصرين فى غزة!! وفى عصر مبارك أيضا، ورغم السماجة وثقل الظل التاريخيين اللذين يميزانه، فإن هذه الكوميديا السياسية النادرة جرى التوسع فيها وتطويرها حتى لامست الشواشى العليا للمسخرة، آية ذلك أن تعيين واختراع الأحزاب المكلفة بعمل «شويتين» معارضة فى وقت الفراغ، لم يعد كما أيام السادات بقرار رئاسى، بل بقرار من مباحث التموين، أما تراخيصها فقد صارت تمنح (حصرا تقريبا) ليس لسياسيين متخاذلين أو من النوع اللعوب، وإنما لقطعان من الصيَّع الغلابة، يستخدمونها أحيانا ك«طفاشة» لفتح أبواب الشقق وأحيانا أخرى لبيع «البانجو» بالقطاعى فى الزوايا وعلى النواصى، وفى كل الأحوال فإن أصحاب هذه التراخيص أضحوا لا يرتكبون أى معارضة نهائيا لا فى وقت الفراغ ولا فى أى وقت آخر، لكنهم فى كل الأوقات تراهم يحزقون بشدة بينما هم يعارضون ويشتمون ويسبون الدين والملة للمعارضين الحقيقيين للنظام، وقد يمعن جزء كبير منهم فى إظهار الإخلاص لحضرة الضابط اللى مسرحهم إلى حد محاولة فض «الحراك السياسى» بمطاوى قرن الغزال. والخلاصة.. أن أغلبية أحزاب المعارضة الميرى هى الآن مجرد كتيبة من كتائب «الأمن المركزى»، بل ربما كانت الكتيبة الأشد قسوة والسلاح الأكثر فاعلية فى الترسانة القمعية لنظام الرئيس مبارك وولده، فبهذه «الأشياء» يصنعون التزوير الشامل فى المجالس النيابية، ومنها ينتقون «الكومبارس» و«المقاطيع» الذين يلعبون بأرخص الأسعار دور «الطيشة» فى مهزلة التمديد للرئيس أو توريثنا لنجل سيادته.. إلخ.