منذ اشتعال فتيل «ثورات الربيع العربي» والكثيرون يشيدون بتجربة تونس الديمقراطية، وقدرة الشعوب على الثورة والحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية واجتماعية، معتبرين أن «الإجابة دائما تونس»، ليتم وضع البلد في مقارنة مع أي حدث سياسي في أي دولة شهدت احتجاجات كبيرة منذ عام 2011، فهل حقا في تونس تجربة ديمقراطية حقيقية أم أنها مجرد وهم؟ وهل هي استثناء؟ وهل فعلا تجربة تسعى لإقصاء الإسلام السياسي والفكر المتشدد كما يُروج لها؟ وصول قيس سُعيّد للسلطة في أكتوبر الماضي، نجح المرشح المستقل قيس سُعيّد في الوصول إلى سدة الحكم، بعد تفوقه على المرشح نبيل القروي المتهم في قضايا فساد، وكانت حركة النهضة - المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين - أول المهنأين ل«سُعيّد»، داعية أنصارها للاحتفال مع الشعب التونسي في شارع الثورة وصول قيس سُعيّد للسلطة في أكتوبر الماضي، نجح المرشح المستقل قيس سُعيّد في الوصول إلى سدة الحكم، بعد تفوقه على المرشح نبيل القروي المتهم في قضايا فساد، وكانت حركة النهضة - المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين - أول المهنأين ل«سُعيّد»، داعية أنصارها للاحتفال مع الشعب التونسي في شارع الثورة وسط العاصمة. وفي أول تصريح للرئيس التونسي أكد على أهمية القضية الفلسطينية وأنها على رأس أولوياته، ورفضه التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي تكرر في خطاباته قبل انتخابه، ووصف البعض هذا الأمر بأنه خطاب شعبوي المقصود به إرضاء الإسلاميين وضمان أصواتهم، إذ أنه نفس الخطاب الذي تتبناه حركة النهضة. هذان المشهدان أكدا ما استنتجه محللون سياسيون قبل الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية، أن «سُعيّد» مدعوم من الإسلاميين وأنهم يساعدوه للوصول إلى كرسي الرئاسة، رغم أن سيرته الذاتية لا تتعدى بعض الخبرات في المجال القانوني، ولم يحصل على أي منصب إداري من قبل. أيضا «سُعيّد» صرح من قبل بأنه يعارض المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وهو القانون الذي أشاد به عدد كبير من النشطاء والحقوقيين داخل تونس وخارجها وعارضه تيار الإسلام السياسي، فكان من المتوقع أن يخسر «سُعيّد» نسبة كبيرة من الأصوات الانتخابية، إلا أن هذا لم يحدث وحصل على 76% من الأصوات، ما يعني أن المؤيدين للمساواة لم يكونوا يمثلون قطاعا غالبا من الشعب التونسي كما كان يروج لهم. ويوم الجمعة الماضي، كلف الرئيس التونسي، الحبيب الجملي مرشح حركة النهضة بتشكيل الحكومة الجديدة. ويوزع الدستور التونسي - الذي تم وضعه بعد ثورة 2011 - السلطة بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة، ويمنح الدستور أوسع الصلاحيات في تسيير شؤون البلاد إلى رئيس الحكومة، ما يعني أن حركة النهضة سيكون لها صلاحيات أكبر في إدارة تونس. الغنوشي رئيسا لمجلس الشعب رغم الإدعاءات بأن الشعب التونسي حريص على أداء حقوقه السياسية، والمشاركة في مختلف العمليات السياسية، إلا أن نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية لم تتجاوز 58%، رغم أن مجلس الشعب يعتبر أهم المؤسسات السياسية التونسية. وأسفرت الانتخابات عن حصول حركة النهضة على أكثر من 23% من الأصوات (52 مقعدا)، يليها حزب قلب تونس بأكثر من 17% (38 مقعدا)، ثم التيار الديمقراطي (22 مقعدا)، وائتلاف الكرامة (21 مقعدا)، والحزب الدستوري الحر (17 مقعدا)، وحركة الشعب القومية (16 مقعدا)، وحزب تحيا تونس (14 مقعدا)، فيما حازت قوائم أخرى ال37 مقعدا المتبقية. ومنذ أيام فاز رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي برئاسة المجلس ب123 صوتا، خلفا لعبد الفتاح مورو الذي تولى المنصب بالإنابة في 25 يوليو الماضي، بعد أن تولى محمد الناصر مهام رئاسة الجمهورية بسبب وفاة الرئيس باجي قايد السبسي. والمعروف أن الغنوشي عضو في مكتب الإرشاد العام العالمي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وكان منفيا في العاصمة البريطانية لندن منذ التسعينات، وعاد إلى تونس بعد إسقاط زين العابدين بن علي، في يناير 2011. وتم انتخاب سميرة الشواشي كنائبة أولى للغنوشي، وهي النائبة عن حزب قلب تونس الذي يرأسه نبيل القروي، وساهم في وصول الغنوشي لرئاسة المجلس. الإرهاب في تونس في فبراير الماضي، صرح العميد المتقاعد مختار بن نصر رئيس اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب، بأن عدد التونسيين العائدين من مناطق الصراع بلغ 1000 إرهابي، وذلك خلال الفترة من 2011 وحتى أكتوبر 2018، فيما قدرت الأممالمتحدة عدد التوانسة الذين ذهبوا إلى العراق وسوريا وليبيا للانضمام إلى تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين ب5 آلاف و500 تونسي. وذكر بن نصر أن تونس - البالغ عدد سكانها في 2017 حوالي 12 مليون نسمة - منعت 17 ألف شخص من مغادرة البلاد كانوا يعتزمون الذهاب إلى مناطق القتال. هذه الأرقام الرسمية، والمؤكد أنها أقل من العدد الحقيقي، تخبرنا بأنه على أقل تقدير بشكل الإرهابيون في تونس ما نسبته 2%. وفي تصريحات صحفية، قالت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، إن حزب النهضة - الذي منحه الشعب التونسي الصدارة مرتين في الانتخابات التشريعية منذ 2011 - جند الشباب التونسي للقتال في مناطق النزاع منذ أكتوبر 2011، وذلك بتمويل قطري. وبالعودة إلى يونيو 2015، نجد تصريحا لوزير الداخلية التونسي ناجم الغرسلي، يقول فيه إن ليبيا تحولت إلى خطر حقيقي على الأمن القومي لبلاده، وأنهم بصدد إجراءات استثنائية لحماية الحدود مع ليبيا. وتونس دولة تقع بين أسوأ دولتين خغرافيا، ليبيا بميليشياتها المسلحة وحالة الإرهاب، والجزائر بذكرياتها مع العشرية السوداء والإسلام السياسي الذي ما زال له أرضية شعبية في بعض المناطق، ما يسمح باستقطاب شباب تونس بسهولة. ماذا تغير في تونس؟ على عكس المتوقع من المحتجين في الثورة التونسية، لم تكن ثورة «الياسمين» دافعا للشباب للتمسك بالبقاء في تونس، إذ دفع الإحباط الناتج عن غياب الفرص الاقتصادية والحراك الاجتماعي أكثر من 3 آلاف تونسي لمغادرة البلاد نحو أوروبا في عام 2018، وذلك أكثر من أي جنسية، وفقا لوكالة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه يقول محللون ودبلوماسيون إن فترة ما بعد الثورة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال تثير الاستياء خاصة بين الشباب. أيضا، فإن ثورة تونس التي قامت بسبب غلاء المعيشة وبطالة الشباب، لم تحقق أي جديد، فبعد مرور 9 سنوات ما زالت تونس تعاني من: عجز الميزان التجاري، ارتفاع نسبة الدين الخارجي، تراجع قطاع السياحة، تراجع الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، زيادة معدل البطالة، وعلى المستوى السياسي، فإن الفساد انتشر بشكل أكبر، كما أن الوجوه القديمة التي اتهمت بالفساد ما زالت موجودة في السلطة. وهذا يعني أن تونس لم تغير شيئا من وضعها بعد الثورة بل ازداد الأمر سوءا، وهذا يدعو للشك في كونها نموذجا يجب إتباعه في الثورات والوصول للديمقراطية. والآن بعد تصدر «النهضة» للمشهد في تونس منذ 2011، وانتشار الإرهاب بين الشباب، وعدم تحسن الأوضاع الاقتصادية التي خرج من أجلها الشعب، وأخيرا وصول قيس سعيد للسلطة بدعم من «النهضة»، وتعيين حبيب الجملي رئيسا للحكومة، هل يمكن القول إن في تونس تغيير وديمقراطية حقيقيين كما يتم الترويج؟