د. مجدي العفيفي مع أنه سلس وسهل ممتنع في الفكر والأسلوب، وأنه ماتع في عباراته الأنيقة والرشيقة وبرنامجه السردي في كل كتاباته ومناوشاته، فإنه يرهقني منذ رحيله الجسدي فى التاسعة صباح يوم الجمعة 21 أكتوبر 2011. مع أنه سلس وسهل ممتنع في الفكر والأسلوب، وأنه ماتع في عباراته الأنيقة والرشيقة وبرنامجه السردي في كل كتاباته ومناوشاته، فإنه يرهقني منذ رحيله الجسدي فى التاسعة صباح يوم الجمعة 21 أكتوبر 2011. عن أنيس منصور أتحدث، وعن أوراقه السياسية والعاطفية والصحفية التي حملني -كتلميذ له- مسؤولية الحفاظ عليها ضمن أعماله الكاملة. أوراق كثيرة ومثيرة، وجديدة وجريئة، وجادة وحادة، ومتنوعة وذات نوعية غير مسبوقة. أعيش معها هذه الأيام، إذ يتغشاني طيفه محلقا في أجوائي، وأجد نفسي تلقائيا مع هذه المذكرات التي ترهقني عن أنيس منصور أتحدث، وعن أوراقه السياسية والعاطفية والصحفية التي حملني -كتلميذ له- مسؤولية الحفاظ عليها ضمن أعماله الكاملة. أوراق كثيرة ومثيرة، وجديدة وجريئة، وجادة وحادة، ومتنوعة وذات نوعية غير مسبوقة. أعيش معها هذه الأيام، إذ يتغشاني طيفه محلقا في أجوائي، وأجد نفسي تلقائيا مع هذه المذكرات التي ترهقني إرهاقا جميلا، وعذوبتها في عذابها وطرائق التعامل معها كمذكرات سياسية تعد من أهم المذكرات التي كتبها صاحب الذكرى الثامنة التي تمر علينا غدا. في منظور أنيس منصور وطبقا لمذكراته، فإن كل سلطة تحتاج إلى فكر، وكل حاكم يحتاج إلى مفكر؛ مثلا: الإسكندر الأكبر وأرسطو، موسوليني ودانندسيو، هتلر وروزبيج، والرئيس التشيكي «فاتسلاف هافيل» وهو كاتب مسرحي ومهندس الثورة المخملية التي أسقطت الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا في نوفمبر 1989، وغيرهم. هؤلاء أشخاص يحترمون أنفسهم ويعرفون حدودهم، فاختاروا مفكرين أصحاب رأى ورؤية، للاستشارة والاستفادة، على أن هناك حدا فارقا في العلاقة يتمثل في ما إذا كان التصريح أو الرأى للرئيس أم للمفكر. هناك جملة رائعة للمؤرخ البريطاني «دراكتون» إذ يقول: «كل قوة مفسدة، وكل قوة مطلقة مفسدة إطلاقا» ومن ثم فكل حاكم من الحكام يدّعي أنه سيفعل المعجزات، ولا أحد يستطيع ذلك، إنه مجرد وهم في تفكيرهم ومخيلتهم. يقول أنيس: كنت حريصا جدا في كلامي وأنا مع الرئيس السادات، حتى لا أتسبب في إيذاء أحد، وطوال فترة علاقتي به لم أطعن في أحد عنده، كنت أمثل لدى الرئيس في ذلك الوقت إحدى القنوات غير الرسمية، الاقتراب من الحاكم مهمة صعبة جدا، وإن كانت ماتعة. كانت علاقتي بالرئيس الراحل أنور السادات تشبه علاقتنا بالهاتف، فنحن حين نقربه من أفواهنا لا يعني أننا نحبه ولكن رغبةً منا في أن يصبح صوتنا أوضح، هكذا كان يفعل معي الرئيس السادات الذي كنت أساهم دائما في وضوح صوته لدى الشعب، ولذلك فلم أكن أرغب في تخطي حدودي؛ لذلك لم أنسَ يوما أنه الرئيس رغم اقترابه مني. أما عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فقد كنت أختلف معه كثيرا، ومن أصعب لحظات الألم التي مررت بها في حياتي الهادئة الخالية من المطبات، كانت حين فُصلت من عملي الصحفي لمدة عامين بقرار من الرئيس عبد الناصر نظرا لما كتبته عن مسرحية توفيق الحكيم «السلطان الحائر» التي صدرت بعد تأميم الصحافة في عقد الستينيات، وتحكي عن أن الفقيه «العز بن عبد السلام» قاضي قضاة مصر، وجد نصا في الفقه يقول بعدم جواز أن يحكم العبيد الأحرار، ويقصد المماليك، ولذلك يجب أن يباعوا ويتم تحريرهم حتى يستطيعوا الحكم، وحينها كتبت أن الشيخ العز بن عبد السلام خرج مغاضبا، ووقف بحمار على حدود مصر (الشيخ نيابة عن الفقهاء، والحمار نيابة عن الشعب المصري)، فمُنعت من العمل الصحفي بعضا من الوقت. وأما حسني مبارك فقد ابتعدت عنه في الخمسة عشر عاما الأخيرة، فليس لديه شيء يستحق القول، وليس لديَّ ما أقوله له أو عنه. وضع أنيس منصور على رفوف المكتبة العربية أكثر من كتاب سياسي عن الرئيس السادات وفترة حكمه فتناول في كتاب «من أوراق السادات» قضايا كثيرة، ورصدًا دقيقا لأحداث ثورة يوليو1952، سنةً بسنة، وثورة مايو 1971، وتوثيقا تاريخيا لمعركة أكتوبر 1973 باليوم والساعة والدقيقة، وموضوعات ذات حساسية فائقة عن الذئب الرمادي والشيوعية والحياد غير الإيجابي، وغليان الجليد بين القاهرة وموسكو، والألاعيب السياسية، والأسباب الحقيقية لهزيمة 1967 وناصر فوق صفيح ساخن، ومصر من ملكية إلى جمهورية، والطابور الخامس والصراع على السلطة، وسنة الحسم، وبدأت الحرب، ووقف إطلاق النار، وكيسنجر وزير فوق العادة، والجليد يذوب بين مصر وأمريكا، ومحطات مهمة في حياة السادات، وغير ذلك من الأوراق المشحونة بالأسرار والمسكونة بالذكريات. مئات الصفحات السياسية كتبها أنيس منصور عن الرئيس السادات، في شكل مقالات وأحاديث وكتب ودراسات، ولديه، بنفس القدر وأكثر، أوراق وتسجيلات ووثائق ومستندات على قدر كبير من الأهمية التاريخية والسياسية، تسد فجوات في تحولات ونقلات، وتملأ فراغات لا تزال تثير علامات استفهام شتى، بل علامات استنكار لن تنطفئ إلا بعد نشر هذه الأوراق. وهناك جلسات أخرى مع الرئيس السادات، سجلها في نحو ثلاثين شريطًا، وتم تفريغها ومراجعتها، وتوثيقها، وفيها يكشف عن الكثير من الأسرار عن حقبة ما قبل حرب أكتوبر 1973، وما بعدها، والمفاوضات الشاقة التي أعقبت النصر المصري العظيم، وهي تكمل ما ورد في كتابه «من أوراق السادات»، سترى النور قريبا، مع باقة من كتب لم يسعفه العمر ليصدرها، وستُنشر لأول مرة. في المقال المقبل نقتطف لمحات من مذكرات (مشواري السري) ثم علاقته بالزعيم (جمال عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا). هذا بعض من كل، وما خفي كان أعظم. رحم الله أنيس منصور، والبقية في مذكراته. من رحيق أنيس منصور: حتى العقول المتفتحة يجب إغلاقها للتحسينات. الناس يميلون إلى تصديق ما يهمس به الآخرون. الحزين ينظر وراءه والحائر ينظر حوله والمؤمن ينظر فوقه. قد لا يصدق الناس ما تقول ولكنهم سوف يصدقون ما تفعل. كن منضبطا، حتى الساعة الواقفة تكون منضبطة مرتين في اليوم. أن تكون أكبر ليس معناه أنك أجمل أو أحسن، فعباد الشمس أكبر من الوردة. لا ترهق نفسك في هذه الدنيا، فلن تخرج منها حيا. إذا كان لا مفر من الموت فأفضل أن أموت من الضحك. كل شيء في الدنيا تعب إلا الموت فهو نهاية كل تعب. المتشائم: الورد له شوك. المتفائل: الشوك له ورد.