كاتبة، ناقدة وباحثة سينمائية . شاركت في تأسيس صحيفة الأسبوع المصرية وكتبت في مجالات عدة بها وشغلت منصب رئيس قسم الفن ونائب رئيس التحرير. قال لي صديق عن الذباب "لا تستهيني بالذبابة ولا تقللي من شأنها أبدا"، حين حادثته عن بشر متلصصين، لزجين لدرجة القرف، ثم استطرد يشرح لي كيف أن ذبابة واحدة قد تكون أفضل من هؤلاء البشر الذين أحكي عنهم، يا إلهي! من أين أتت له حكمته المفاجئة هذه، ومن أين أقبلت علي أيضا هذه الذبابة التي تلازمني منذ دخولي غرفتي في فندق المنتجع الكبير المطل على النيل بأسوان؟ إنها تطاردني وتحط على أنفي كل صباح، كأنها تهزه كي أستيقظ؛ صارت المنبه المفروض علي طوال فترة إقامتي هنا، وفشلت محاولات عمال النظافة في ملاحقاتها والإمساك بها، على الرغم من تأكيدهم أن الأمر على ما يرام وأنها اختفت تماما، فإذا بها تفاجئني في اليوم التالي كما لو أنها تتحداني وتراقب انفعالاتي وهي تحوم حولي بأزيزها الغليظ، المرهق، يبدو أنها خزنته على مدار الليل من أجل هذه اللحظة. إذن لن أغتاظ ولن أنشغل بها كما صديقي الذي يفلسف وجودها في الحياة من الأصل، ولن أسأل أبدا عن مصدرها، وسأكون متسامحة جدا كما كنت من قبل حين انتظرت في بهو الفندق أكثر من ثلاث ساعات، لا أستطيع أن أتسلم غرفتي لأن الكهرباء مقطوعة في بلد السد العالي، وبالتالي فإن "السيستم واقع"، حسب رد موظف الاستقبال الذي أجابني أيضا عن سؤالي: "ليه ما بتشغلوش المولد الكهربائي؟"، قائلا: "إحنا بنقوّمه يا أفندم"! قال لي صديق عن الذباب "لا تستهيني بالذبابة ولا تقللي من شأنها أبدا"، حين حادثته عن بشر متلصصين، لزجين لدرجة القرف، ثم استطرد يشرح لي كيف أن ذبابة واحدة قد تكون أفضل من هؤلاء البشر الذين أحكي عنهم، يا إلهي! من أين أتت له حكمته المفاجئة هذه، ومن أين أقبلت علي أيضا هذه الذبابة التي تلازمني منذ دخولي غرفتي في فندق المنتجع الكبير المطل على النيل بأسوان؟ إنها تطاردني وتحط على أنفي كل صباح، كأنها تهزه كي أستيقظ؛ صارت المنبه المفروض علي طوال فترة إقامتي هنا، وفشلت محاولات عمال النظافة في ملاحقاتها والإمساك بها، على الرغم من تأكيدهم أن الأمر على ما يرام وأنها اختفت تماما، فإذا بها تفاجئني في اليوم التالي كما لو أنها تتحداني وتراقب انفعالاتي وهي تحوم حولي بأزيزها الغليظ، المرهق، يبدو أنها خزنته على مدار الليل من أجل هذه اللحظة. إذن لن أغتاظ ولن أنشغل بها كما صديقي الذي يفلسف وجودها في الحياة من الأصل، ولن أسأل أبدا عن مصدرها، وسأكون متسامحة جدا كما كنت من قبل حين انتظرت في بهو الفندق أكثر من ثلاث ساعات، لا أستطيع أن أتسلم غرفتي لأن الكهرباء مقطوعة في بلد السد العالي، وبالتالي فإن "السيستم واقع"، حسب رد موظف الاستقبال الذي أجابني أيضا عن سؤالي: "ليه ما بتشغلوش المولد الكهربائي؟"، قائلا: "إحنا بنقوّمه يا أفندم"! بصرف النظر عن المولد الكهربائي الذي احتاج لثلاث ساعات كي يقوم، أو أكوام القمامة التي التهمت الشوارع وضفاف النيل، أو الأبراج السكنية التي تراصت وحجبت النيل عن درته أسوان، أو الطرق التي ترصف حاليا تأهبا لزيارة الرئيس في الأيام المقبلة بعد إعلان مدينة أسوان عاصمة للشباب الإفريقى لعام 2019 واستضافتها لمنتدى بصرف النظر عن المولد الكهربائي الذي احتاج لثلاث ساعات كي يقوم، أو أكوام القمامة التي التهمت الشوارع وضفاف النيل، أو الأبراج السكنية التي تراصت وحجبت النيل عن درته أسوان، أو الطرق التي ترصف حاليا تأهبا لزيارة الرئيس في الأيام المقبلة بعد إعلان مدينة أسوان عاصمة للشباب الإفريقى لعام 2019 واستضافتها لمنتدى الشباب العربى والإفريقى، هذا الحدث الذي يعيشه الشباب في الوقت الحاضر أملا في تغيير يتيح لهم مساحات أوسع للعمل، أبناء أسوان الذين أرهقهم الإهمال ويحتاجون لفرصة ترسم على وجوههم الابتسامة مجددا، مصالحة مع الحياة، كل هذه الشواهد اللافتة في كفة وألا تكون في أسوان سوى سينما واحدة في كفة أخرى، إنه لأمر جلل أفسد علي رحلتي، وشغفي بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى بمعبده الكبير في أبو سمبل، وإلقاء وردة حمراء على ضريح محمد شاه أغا خان وزوجته البيجوم أم حبيبة، ورؤية مقام "سيدي علي بن الهوا" ومقابر نبلاء قدماء المصريين، وتأثري بالاستقبال الدافئ والكريم من أهل أسوان والنوبة، وغير كل ذلك حضوري لمتابعة مهرجان أسوان لأفلام المرأة، مهرجان سينما في بلد لا يمتلك تقريبا غير صالة عرض واحدة، ألا يستحق أهل هذا البلد دار عرض، متنفس للتواصل مع الحياة؟.. كل شيء هنا نفي للمنطق، أهل البلد يعيشون على أطلاله ورائحة الماضي التي تغلب على أرجائه، والسائحون، مصريون وأجانب، يمرون في النهار ليصقلهم نور الشمس، وفي الليل يغتسلون بالندى تحت ضوء القمر، بينما تثيرهم الآثار التاريخية القديمة. تكاد تكون سينما الصداقة، واحدة من هذه الأطلال، بعد إغلاق سينما "أبو شوك" وتحويلها إلى مخزن للأسمنت، وسينما "بدر" التي أصبحت مقلبا للقمامة ومأوى للكلاب الضالة، وسينما النادي الروسي وسينما ومسرح "كيما" التي تحولت إلى قاعة أفراح، تدير سينما الصداقة المهندسة نجوى إبرهيم، امرأة قوية، لا تفرط في السينما، عملها وميراثها من والدها المنتج والموزع السينمائي الراحل إبراهيم صبحي، رغم كل إغواءات أو محاولات تحطيمها، حسب ما ورد في المحضر الذي حررته مديرة السينما رقم 5239 لسنة 2013 جنح قسم أول، ضد جماعة الإخوان تتهمهم بالتعدي على مقر السينما وتحطيمها وتكسير جميع الأبواب والنوافذ مع حرق الأفلام الموجودة بها وسرقة ماكينة العرض السينمائي وطفايات الحريق والسلالم الألوميتال، وذلك بالإضافة إلى سرقة جميع محتويات البوفيه، وقدرت الخسائر في المحضر بنحو 200 ألف جنيه، افتتحت سينما الصداقة في العام 1972، بها قاعة واحدة فقط تحتوي على 600 مقعد وتقدم الأفلام المصرية التجارية، لتظل هذه الصالة شاهدا على ماض كان أجمل وحاضرا أصبح فيه جنوب مصر خارج نطاق السينما، باستثناء مسارح قصور الثقافة التي تكاد تكون معطلة حتى تحييها أي فاعلية عابرة، فضلا عن أنها تفتقد وجود آلات عرض سينمائية، بينما تتوالى الحجج والذرائع بأن جمهور الصعيد لا يدخل الصالات ولا يشاهد السينما، وهذه جملة باطلة تنفيها أولا اندفاعات هذا الجمهور على أفلام الأعياد التجارية، كما تنقلها التقارير الإخبارية المتابعة، كذلك حضوره لأفلام مهرجان أسوان في قاعة الفندق المستضيف له، وثانيا لأن الجمهور المدعى عليه لم يجد على مدار سنوات طويلة صالات عرض كي يدخلها، إذن فالجمهور هو من افتقد الشاشة والصالة وليس العكس، وهو الآن في أشد الحاجة إلى تأسيس جديد وجهد متواصل للارتباط بالناس وتشييد دور عرض سينمائية، تعوّض ال 11 دار عرض المفقودة في الأقصر مثلاً وتحول بعضها إلى مخبز أو مصنع ثلج، وهو ما حدث تقريبا في أسيوط التي أغلقت صالاتها الثلاث وأصبحت واحدة منهن "مولا" تجاريا، كذلك أظلمت أربع شاشات في سوهاج، لتتحول "سينما النصر" التى أنشئت فى خمسينيات القرن الماضى إلى عمارة سكنية، وسينما "الحرية" الصيفية، المكشوفة إلى مول تجاري، وسينما "أوبرا" إلى مرتع للفئران والحشرات وكان آخر عروضها فيلم "صرخة نملة"، وسينما شريف إلى عمارة سكنية منذ الثمانينيات، وهدمت صالات بني سويف "الأهلي" و"النصر" منذ سنوات طويلة، بينما تخلو الفيوم من أية سينما، حتى قاعة قصر الثقافة بلا شاشة عرض، قد تكون المنيا هي الأكثر حظا بوجود سينما سيتى سكيب مول وسينما القوات المسلحة، لكن هذا لا يعني نصرًا غامرًا في ظل أن الصعيد بكامله يفتقد دور العرض السينمائية التي تقدم أفلاما متنوعة على مدار العام، وهذا أمر أكبر من مسئولية مهرجان سينمائي مثل أسوان أو غيره، إنه ضرورة ملحة تحتاج إلى الاكتراث بأهل الصعيد والأقاليم عموما.