من رحم المُهمشين ولدت سردية "يوم الدين"، وتدور حول "بشاي" قبطي مجذوم سابق في الأربعينيات من عمره، وحماره "حربي" وصديقه "أوباما"، الفيلم سيناريو وإخراج أبو بكر شوقي. جرعة إنسانية كبيرة يُقدّمها المخرج الشاب أبو بكر شوقي، في تجربته الطويلة الأولى بفيلم "يوم الدين"، بطولة راضي جمال، أحمد عبد الحافظ، من خلال عرض قبح الواقع وقسوته على فئات الأقليات والمُهمشين والمنبوذين في الأرض، وإظهار مآسي عالم يُصنف فيه البشر بعضهم بعضا وفقًا للون والمظهر والمعتقد والطبقة الاجتماعية، يتناول عالما سُفليا منسيا تمامًا، عالما يحاول النأي بنفسه عن المجتمع وسخافته وعنصريته، ينقل وجع من هم بالقاع، يرصد آلامهم وتقبلهم لواقعهم المأساوي، دون التطرق لسياقات مسببات ذلك. سردية "يوم الدين" تدور حول "بشاي" قبطي مجذوم سابق في الأربعينيات من عمره، رحل الجذام عن بشاي، ولكنه ترك من خلفه جروحا وندبات على وجهه وجسده لا يمكن الشفاء منها، "بشاي" يبحث في المزابل عن أشياء ذات قيمة مادية، بواسطة حماره "حربي" وعربته "كارو"، ويعاونه صديقه الطفل "أوباما" اليتيم، والهارب دائمًا من دراسته سردية "يوم الدين" تدور حول "بشاي" قبطي مجذوم سابق في الأربعينيات من عمره، رحل الجذام عن بشاي، ولكنه ترك من خلفه جروحا وندبات على وجهه وجسده لا يمكن الشفاء منها، "بشاي" يبحث في المزابل عن أشياء ذات قيمة مادية، بواسطة حماره "حربي" وعربته "كارو"، ويعاونه صديقه الطفل "أوباما" اليتيم، والهارب دائمًا من دراسته اليومية. "بشاي" له زوجة مريضة عقليا مودعة بالمصحة، تجدهم رغم حجم المأساة يحمل لها هدية متواضعة، "ووكمان" وجده في مقلب الزبالة ويسعى لتصليحه، يذهب لزيارتها، يخاطب معشر المرضى ببساطة شديدة: "إزيكوا يا عيانين؟"، يخبرها بأنه ينتظرها، ولكنها سرعان ما ترحل مفارقة الحياة، حينما يُعزيه طبيبها المعالج يرد عليه "بشاي": "دخلتهالي المصحة يا دكتور عشان تتعالج رجعتهالي في الكفن"، تنقلب حياته رأسًا على عقب بعدما تزوره والدتها التي لم يرها من قبل لتعزيته، لم يكن يعلم من قبل أن لها أهلًا، ما يُثير بداخله أحزان الطفولة. "بشاي" الطفل ينتمي لقرية "أبو حور" في محافظة قنا، تركه والده داخل مستعمرة الجذام ولم يعد إليه رغم وعده بالعودة، عاش 40 سنة من عمره داخل المستعمرة، ولم يُغادرها مسبقًا، خاصة أنه ليس له أي أوراق تُثبت هويته كغيره من سكان المستعمرة، كما يُعاني من تنمر وعنصرية تُمارس ضده باستمرار، بعد وفاة زوجته يقرر خوض رحلة البحث عن الذات، رحلة البحث عن الأهل. حمل "بشاي" أغراضه وقرر الارتحال بواسطة حماره "حربي" وعربته "كارو" إلى قنا، معتمدًا على خريطة بدائية وصفها له أحد سكان المستعمرة، يفاجأ "بشاي" بعدما يمضي وقتًا في رحلته بأن الطفل "أوباما" اختبأ أسفل العربة ويصاحبه رغمًا عنه في رحلته، يحاول منعه مجددًا وإعادته ولكن الأمر لم يعد في الإمكان. يخوض "بشاي" و"أوباما" و"حربي" رحلتهم إلى عالم الصعيد الجواني، تقابلهم العديد من الأزمات في أثناء الرحلة، أولاها إصابة "أوباما" واحتجاز "بشاي" بقسم شرطة لعدم حمله بطاقة هوية، ثم موت "حربي"، وتعّرُض "بشاي" و"أوباما" للسرقة، يحاولان ركوب قطار متجه إلى قنا، يتعرضان لعنصرية بسبب ندبات "بشاي"، يضربهما الكمسري بعدما لم يجد معهما مالا وطالبهما بالنزول، يطلق بشاي صرخته "هو أنا مش بني آدم؟"، يُنزلهما الكمسري، يصل بهما الأمر إلى التسول، ورغم ذلك يهاجمهما الشحاذ المسئول عن المنطقة، ينطق "بشاي" حينها: "الله يلعن أبو الدنيا"، قبل أن يقرر الشحاذ مساعدتهما ويصطحبهما على دراجته. يبيت الرفيقان ليلة في ساحة الشحاذين، فئة أخرى منبوذة يُظهرها أبو بكر شوقي في فيلمه، وهناك يحاول كبيرهم التعرف أكثر على "بشاي"، يُخبره بقصة حياته الأليمة الموجزة في عبارة: "أبويا وداني المستعمرة عشان العيال كانوا بيقولوا عليّ وحش وأنا صغير، ووعدني إنه يرجع ومارجعش"، يرد عليه الشحاذ بعبارة أكثر ألمًا حملت في جوهرها رسالة الفيلم: "إحنا منبوذين، ومفيش أمل إن حد يتقبلنا، لكن إحنا عايشين على أمل إن يوم الدين نكون سواسية". يساعدهما الشحاذون بفضل علاقاتهم للوصول إلى قنا، وهناك يبحث "أوباما" بمفرده عن أهل "بشاي"، بينما الأخير يرفض ويتأهب للحظة المقابلة، يجدهم الطفل ويُخبر شقيق "بشاي" بأنه حي يُرزق وجاء من المستعمرة لزيارتهم، ينهره الأخ مستنكرًا ما يقوله، يخبره بأن شقيقه قد مات ويطرده، ثم يحاول الأخ الوقوف على حقيقة ذلك، يصحبه "أوباما" لمقابلة "بشاي" في المسجد محل إقامتهما، يحاول "بشاي" الاختباء، ولكنهما أخيرًا يلتقيان. يصطحب الأخ "بشاي" و"أوباما" إلى منزل العائلة، مضى أكثر من 3 عقود على آخر مقابلة ل"بشاي" مع والده الذي أخلف وعده معه، تقدّم العمر بالوالد وأقعده المرض، يدخل "بشاي" لمقابلته، ينطق بكلمة واحدة "إنت بتكرهني؟"، يرد الأب مقبلًا يد الابن: "أنا مارجعتش عشانك، كنت خايف تشوف حياتنا وتتمنى تعيشها وماتقدرش، أنا اديتك فرصة تعيش وعملت كده عشانك"، تنتهي الرحلة وينتهي الفيلم برحلة جديدة للوراء، حيث العودة إلى المستعمرة. "يوم الدين" ينتقد النظرة الاجتماعية السائدة عن مرضى الجذام، الجميع يتأفف بمجرد رؤية وجه "بشاي" حتى إن صديقه منحه غطاء يمنع أذى الناس عنه، ورغم ذلك تجد مصالحة مطلقة ل"بشاي" مع واقعه، وفصل مخرج الفيلم حبكته الرئيسية عن سياقات مسبباتها ولم يتطرق لذلك مطلقًا، أراد فقط أبو بكر شوقي أن يعرض مأساة هؤلاء وعالمهم المنفصل تمامًا عن العالم الخارجي الذي يهمشهم، وعلى هامش رحلة الصديقين، وبرغم حجم المأساة والظلام القاتم، نجد جرعة كوميديا مميزة صادقة حقيقية. قضايا كثيرة، يعرضها "يوم الدين" على هامش حياة "بشاي"، الروتين المصري والبيروقراطية، أزمة عدم الإنجاب لكبار السن، الحجز الاحتياطي ودائرة الاشتباه، معاناة الأقباط والتي يُظهرها أبو بكر شوقي في مشهدين بارزين، الأول حينما يهرب "بشاي" من الحجز وفي نفس "الكلابش" آخر متطرف ديني، يصطحبه الأخير لمخبئه وجماعته، وهناك يسألونه عن اسمه فيرد: "محمد"، وفي مشهد ثان حينما كان لا مأوى ل"بشاي" و"أوباما" سوى المسجد، وأُجبر على تأدية الصلاة بركوعها وسجودها. أهم عناصر قوة "يوم الدين" اختيار أشخاص حقيقيين من الهامش الاجتماعي وليس ممثلين، وُفّق أبو بكر شوقي في اختيار عينة ممثلة لهم عبر شخص أُصيب بالجذام وشُفي منه، وهو راضي جمال، الذي أدى شخصية المجذوم "بشاي"، والتي تستمد الكثير من ملامحها من شخصيته الحقيقية في الواقع، والطفل أحمد عبد الحافظ الذي أدى دور الطفل "أوباما"، وشكلا معًا ثنائيا ناجحًا له مسحة من الطرافة وحضور محبب على الشاشة. "يوم الدين" ينتمي إلى أفلام رحلات الطريق، بسيناريو جيد متماسك، ومونتاج مُتقن، وموسيقى تصويرية مناسبة وجذابة للغاية، وإخراج وتصوير واقعي، نجح في تحقيق حضور مميز مستحق في المهرجانات الدولية والمحلية، على رأسها مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، لم يتناول نموذج مرضى الجذام للتعبير عن فئات المنبوذين والمهمشين فقط، بل أضاف لفيلمه ظهورا مميزا للمرضى العقليين والشحاذين والأيتام، تجربة استثنائية واقعية تُحسب لمخرجها الجريء الذي نحتاج لظهور أمثاله كثيرا بالسينما المصرية.