اعتُبر توفيق الحكيم بعد رواية "عودة الروح" الأب الروحي لثورة 23 يوليو 1952، حيث تأثر ناصر في شبابه بها لدرجة أنها ساهمت في تكوينه الوطني، إضافةً إلى الجيل بأكمله. في أقصى الشمال هناك في الإسكندرية، ولد الأديب توفيق الحكيم، في 9 أكتوبر 1899 بالإسكندرية، لأب قاض من ملاك الأراضي، وأم من أصول تركية، عاش أيام طفولته في عزبة والده بالبحيرة، لذا التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم الإعدادية، وسافر إلى القاهرة لدراسة المرحلة الثانوية فى مدرسة محمد على، ليعيش تحت رعاية أعمامه بالسيدة زينب، وهناك زاد حبه للأدب والموسيقى، وفي عام 1919 اشترك فى المظاهرات وقبض عليه بتهمة التآمر، ثم أفرجت عنه السلطات، درس الحقوق في الجامعة وتخرج عام 1925، ثم سافر إلى فرنسا ليُكمل دراسته، وعاد بعد 3 سنوات دون الحصول على شهادة. وبعد عودة توفيق الحكيم من باريس، عمل في عدة وظائف حكومية، منها وكيل للنيابة عام 1930 في المحاكم المختلطة بالإسكندرية، ثم في المحاكم الأهلية، ومدير لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، ومدير لدار الكتب المصرية في عام 1954، وغيرها، إلا أنه لم يعبأ بالوظائف تلك، واستلهم من التراث، عبر عصوره المختلفة، وبعد عودة توفيق الحكيم من باريس، عمل في عدة وظائف حكومية، منها وكيل للنيابة عام 1930 في المحاكم المختلطة بالإسكندرية، ثم في المحاكم الأهلية، ومدير لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، ومدير لدار الكتب المصرية في عام 1954، وغيرها، إلا أنه لم يعبأ بالوظائف تلك، واستلهم من التراث، عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية، حكايات وقصص روائية ومسرحية استحق لأجلها لقب "عميد المسرح العربي"، حيث كان من أبرز كتّابه الرائدين، وتمت ترجمة أعماله على خشبة المسرح، كما تمت ترجمة بعضها سينمائيًا. "ربما أكون قد أحببت العقاد، وتعلقت به وتربيت على يديه، وربما أكون تأثرت بطه حسين إلى حد بعيد، ولكن توفيق الحكيم هو الذي ارتبطت به وجدانيًا وروحيًا وعشت معه سنوات طويلة كظله".. نجيب محفوظ وشهد عام 1933 صدور أول رواية لتوفيق الحكيم بالمعنى المفهوم للرواية الحديثة، وهي رواية "عودة الروح"، التي أُعتبر كاتبها الأب الروحي لثورة 23 يوليو 1952، حيث تأثر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في شبابه بالرواية لدرجة أنها ساهمت في تكوينه الوطني، إضافةً إلى الجيل بأكمله، لذا منحه ناصر قلادة الجمهورية عام 1957، وفي هذه القصة يدمج الحكيم تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معًا على نحو جديد يتميز بالبراعة والإتقان. وفي نفس العام نُشرت أول مسرحية فلسفية لتوفيق الحكيم، وأول مسرحية عربية ناضجة بالمعيار النقدي الحديث، بعنوان "أهل الكهف" وهي قصة مستوحاة من القرآن، وأصبحت هذه المسرحية التي مزّج فيها بين الرمزية والواقعية على نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض، البداية للعديد من المسرحيات التي أصبحت أساسًا كلاسيكيًا للأدب العربي الحديث، وقد تألق الحكيم من بعدها واشتهر ككاتب مسرحي. وكانت "أهل الكهف" بداية لنشأة تيار مسرحي عُرف ب"المسرح الذهني"، فبالرغم من الإنتاج المسرحي الغزير للحكيم، الذي يجعله في مقدمة كتاب المسرح العربي، فإنه لم يكتب إلا عددًا قليلًا من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور، وكانت معظم مسرحياته من النوع الذي الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالمًا من الدلائل والرموز التي يسقطها على الواقع. وحرص توفيق الحكيم على تأكيد تلك الحقيقة في العديد من كتاباته، وفسّر صعوبة تجسيد مسرحياته، وتمثيلها على خشبة المسرح لما فيها من عمق كبير؛ فيقول: "إني اليوم أُقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارًا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة". ومن بين الوظائف الحكومية التي عُيّن بها توفيق الحكيم، وظيفة وكيل للنائب العام في الأرياف، ما انعكس على أدبه، ونتج عن تأثره بتلك الفترة من حياته التي قضاها في الريف المصري، عدة أعمال مسرحية وروائية مثلت مشروعًا أدبيًا قدّم فيه الحكيم مرآة للواقع المصري بكل جوانبه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، في مرحلة حرجة انتقلت فيها مصر من النظام الملكي إلى الجمهوري، فكتب "يوميات نائب في الأرياف" عام 1937، وأيضًا مسرحية "الصفقة" التي تعكس تحولًا كبيرًا على صعيد فن المسرح المصري، وبرع خلالها في تطويع اللغة العامية الخاصة بأهل الريف لجعل متعة قراءة المسرحية للقارئ العادي والفنان المسرحي لا تضاهى، وعبّر من خلالها عن ولع الفلاحين بتملك الأراضي، وما يتبع ذلك من سلوكيات في سبيل الحفاظ عليها. وتطرقت بعض مسرحياته إلى الأسئلة المتعلّقة بتحرر المرأة، وكانت مسرحيته "المرأة الجديدة" نوعًا من المحاكاة الساخرة للحركة المتصاعدة التي كان قائدها "قاسم أمين"، وعُرف الحكيم بعد هذه المسرحية وغيرها من المسرحيات الجدلية بأنّه "عدو المرأة"، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، فالمرأة في أدبه تتميز بالإيجابية والتفاعل، ولها تأثير واضح في الأحداث ودفع حركة الحياة، ويظهر ذلك بجلاء في مسرحيات: "شهر زاد"، و"إيزيس"، و"الأيدي الناعمة"، و"بجماليون"، و"قصة الرباط المقدس"، وغيرها. ووفقًا لكتاب "دراسة في أدب توفيق الحكيم"، لرجاء عيد، الصادر عن منشأة المعارف عام 1977، فإن كتابات الحكيم قد مرت بثلاث مراحل حتى بلغ مرحلة النضج، وهي: - المرحلة الأولى: وهي التي شهدت الفترة الأولى من تجربته في الكتابة، وكانت عباراته فيها لا تزال قلقة، واتسمت بشيء من الاضطراب حتى إنها لتبدو أحيانا مهلهلة فضفاضة إلى حد كبير، ومن ثم فقد لجأ فيها إلى اقتباس كثير من التعبيرات السائرة لأداء المعاني التي تجول في ذهنه، وهو ما جعل أسلوبه يشوبه القصور وعدم النضج، وفي هذه المرحلة كتب مسرحية: "أهل الكهف"، و"عصفور من الشرق"، و"عودة الروح". - المرحلة الثانية: وقد حاول في هذه المرحلة العمل على مطاوعة الألفاظ للمعاني، وإيجاد التطابق بين المعاني في عالمها الذهني المجرد والألفاظ التي تعبر عنها من اللغة، ويلاحظ عليها أنها تمت بشيء من التدرج، وسارت متنامية نحو التمكن من الأداة اللغوية والإمساك بناصية التعبير الجيد، وهذه المرحلة تمثلها مسرحيات: "شهر زاد"، و"الخروج من الجنة"، و"رصاصة في القلب"، و"الزمار". - المرحلة الثالثة: وهي مرحلة تطور الكتابة الفنية عند الحكيم التي تعكس قدرته على صوغ الأفكار والمعاني بصورة جيدة، وخلال هذه المرحلة ظهرت مسرحياته: "سر المنتحرة"، و"نهر الجنون"، و""براكسا"، و"سلطان الظلام"، و"بجماليون". وحصل توفيق الحكيم على العديد من الجوائز تقديرًا لمجهوداته الأدبية والفنية والمسرحية تحديدًا، ومنها جائزة الدولة في الآداب عام 1960، ووسام الفنون من الدرجة الأولى، وقلادة النيل عام 1975، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975، وأطلق اسمه على فرقة مسرح الحكيم في عام 1964 حتى عام 1972، كما أطلق اسمه على مسرح محمد فريد اعتبارًا من عام 1987. ورغم مرور 31 عامًا على رحيله في 26 يوليو 1987 عن عمر يناهز 88 عامًا، فإن أعماله (أكثر من 100 مسرحية و62 كتابًا) التي تميزت بالدقة والتكثيف وحشد المعاني والدلالات والقدرة على التصوير وحيوية تجسيد الحركة والانفعالات، تظل تراثًا مرجعيًا لكل عشاق الفن والأدب.