شف نجاح ماكرون فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية فى الجولتين الأولى والثانية، عن الأعطاب الهيكلية فى تركيبة الطبقة السياسية الفرنسية، وفى النظام الحزبى، وكذلك بعضُ من الميل نحو ضرورة إحداث تغيير فى الجمهورية الخامسة الفرنسية، كون نظامها الذى يأخذ ببعض سمات النظامين البرلمانى والرئاسى، حتى أطلق عليه فى الفقه الدستورى المصرى النظام البرلماسى، وآخرين وصفوه بالنظام شبه الرئاسى من حيث صلاحيات رئيس الجمهورية الفرنسية الدستورية. شف نجاح ماكرون فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية فى الجولتين الأولى والثانية، عن الأعطاب الهيكلية فى تركيبة الطبقة السياسية الفرنسية، وفى النظام الحزبى، وكذلك بعضُ من الميل نحو ضرورة إحداث تغيير فى الجمهورية الخامسة الفرنسية، كون نظامها الذى يأخذ ببعض سمات النظامين البرلمانى والرئاسى، حتى أطلق عليه فى الفقه الدستورى المصرى النظام البرلماسى، وآخرين وصفوه بالنظام شبه الرئاسى من حيث صلاحيات رئيس الجمهورية الفرنسية الدستورية. منذ الجولة الانتخابية الأولى، ظهر وبوضوح أن ثمة فجوة بين الطبقة السياسية التقليدية فى اليمين واليسار، وبين التركيبة الاجتماعية الفرنسية على تعددها، وللجماعة الناخبة، وذلك لعديد الأسباب على رأسها ما يلى: 1- جمود الطبقة السياسية النسبى، وانعزالها عن المجتمع، وبروز الفجوات بينها، وبين غالبية المواطنين. منذ الجولة الانتخابية الأولى، ظهر وبوضوح أن ثمة فجوة بين الطبقة السياسية التقليدية فى اليمين واليسار، وبين التركيبة الاجتماعية الفرنسية على تعددها، وللجماعة الناخبة، وذلك لعديد الأسباب على رأسها ما يلى: 1- جمود الطبقة السياسية النسبى، وانعزالها عن المجتمع، وبروز الفجوات بينها، وبين غالبية المواطنين. 2- العجز عن الإدارة الفعالة للاقتصاد الفرنسى، ومواجهة المشكلات المتعددة التى واجهته، وعلى رأسها البطالة ومن ثم تهميش بعض شرائح من فئات اجتماعية عمالية. 3- فساد بعض عناصر الطبقة السياسية، وبعض ذويهم، ومثالها تقاضى زوجة فيون رئيس الوزراء الأسبق، أجور عن أعمال لم تقم بها، ناهيك عن أمثلة سابقة لبعض الوجوه الفرنسية البارزة –جاك شيراك، وساركوزى ... إلخ-، التى دعمها بعض رجال الأعمال، أو من بعض الزعماء العرب كالعقيد معمر القذافي. لا شك أن بعض هذه الفضائح لم يكن جديدًا، وإنما ظهر فى عهد فاليرى جيسكار ديستان، حيث وجهت إليه انتقادات شديدة على تلقيه ماسة ثمينة من بوكاسا. 4- بروز الفجوات الجيلية بين الطبقة السياسية وبين الأجيال الشابة الجديدة أيًا كانت انتماءاتها الطبقية أو السياسية إلى اليمين واليسار والوسط، ومن ثم تنامى التآكل فى القواعد الاجتماعية للأحزاب السياسية وقادتها. 5- تنامى الإرهاب وعملياته على الأراضى الفرنسية، لاسيما من نمط الذئاب المنفردة، كما حدث فى عملية نيس، أو جماعة كما فى عملية شارلى أبدو وغيرها، ومن ثم انتشرت أفكار بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية الإرهابية كالقاعدة ثم داعش. من ناحية أخرى بروز أخطاء فى سياسة مواجهة الإرهاب من الأجهزة الاستخباراتية، والأمنية على تعددها، ومنها فجوة المعلومات –ثم الحصول على بعضها من المخابرات المغربية-، وعدم التكامل والتنسيق النسبى فى أداء هذه الأجهزة، ومن ثم عجز الطبقة السياسية عن إنتاج سياسة فعالة لمواجهة الإرهاب. 6- عدم فعالية سياسة الاندماج الداخلى للمواطنين الفرنسيين من ذوى الأصول المغاربية والإسلامية، ومن ثم إقصائهم الاجتماعى والثقافى النسبى عن المجتمع الفرنسي، ومن ثم تحولت الضواحى الفرنسية إلى بؤر للعنف والغضب الاجتماعى ومشكلات الهوية لهذه المكونات العربية الإسلامية. 7- تمدد الأيديولوجية الرخوة، وهو مصطلح أطلق فى عقد الثمانينيات من بعض الكتاب للتعبير عن تآكل التمايزات والحدود الفاصلة بين الأيديولوجيات الكبرى – الاشتراكية والليبرالية والوسطية – من خلال تبنى الأحزاب لأفكار وبرامج متشابهة ومتقاربة تدور حول عديد القضايا كحقوق الإنسان، والعولمة، والمجتمع المدني، والبيئة ... إلخ. وهى مرحلة أطلق عليها نهاية الأيديولوجيا، وأعقبها انهيار حائط برلين ثم الإمبراطورية السوفيتية، وتحول دولها إلى الديمقراطية الغربية والنظام الرأسمالي. لاشك أن تآكل الحدود والتمايزات الأيديولوجية، أدى إلى المساهمة فى إنتاج السيولة داخل الحياة السياسية فى هذه المجتمعات الغربية، وعلى رأسها فرنسا. من ثم أخذت قواعد التأييد الاجتماعى لبعض الأحزاب تهتز رويداً رويداً، وبدأت تحالفات اليسار مع اليمين فى أواخر عهد ميتران، حيث الرئيس اشتراكى ورئيس الوزراء يميني. فى عصر السيولة السياسية والاجتماعية والأخلاقية –وفق بومان– تتراجع الأفكار الكلاسيكية حول اليمين والوسط واليسار، كنتاج لها، وبروز كتل اجتماعية شابة تبحث عن أفكار جديدة تتوافق مع التحولات الرقمية السريعة التى تواجه عالمنا المعولم وما بعده، ومن ثم نجح نسبيًا ماكرون فى تقديم خلطة من الأفكار تحت شعار إلى الأمام، جذبت مجموعات انتخابية مختلفة الاتجاهات والمصالح، فى ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتمدد الأفكار الشعبوية مع وصول ترامب إلى المقعد الرئاسى الأمريكي، وما بين لوبين زعيمة اليمين الفرنسى المتطرف، ونظراء لها فى بلجيكا، وهولندا، وألمانيا مع اختلاف فى نسب حضور هؤلاء سياسيًا واجتماعيًا على الخريطة الانتخابية والسياسية فى هذه البلدان. اختيار ماكرون رئيسًا هو تعبير عن البحث عن وجوه سياسية جديدة فى فرنسا، ومن أجيال جديدة ولا تشكل قطيعة كاملة مع الحياة السياسية للجمهورية الخامسة الفرنسية وتقاليدها ولكن تمثل بعض من تغير سياسى وفكرى لا يؤدى إلى المزيد من السيولة وبعض الفوضى التى تؤثر على وضعية الاقتصاد. 8- أحد أبرز اهتمامات ماكرون السياسية، تتمثل فى استيعابه التغير الرقمى والسياسى والجيلي، وضرورة انعكاسه على الدولة ومؤسساتها، ومن ثم اهتمامه بضرورات رقمنة الدولة وأجهزتها والمجتمع الفرنسي، كى يستوعب ويتكيف مع التغيرات الرقمية الهائلة والمتسارعة، فضلاً عن قضايا الاحتباس الحرارى ومخاطره، بالإضافة إلى التعليم والقضايا الاقتصادية فى إطار المجموعة الأوروبية. أحد أهم التغيرات وراء صعود ماكرون تتمثل فى تشظى الأفكار الكبرى الأيديولوجية، والفلسفية، وضعف تأثيرها على الأجيال الجديدة، وانعكاس الرقمنة على الأسرة، والصداقة والأخلاق والحب والخصوصية والفردنة، والتعليم ... إلخ. من هنا يبدو أن الرقمنة وتطوراتها الهائلة ستؤثر على النظم السياسية، وتركيبة النخب والطبقات السياسية فى عديد من الدول والمجتمعات فى الشمال بل وجنوب العالم على نحو أقل نسبيًا. من حيث دور هذه الأنظمة والمؤسسات السياسية، وعلى دورها وطرائق عملها ووظائفها. ثمة تغير كبير طرأ على الأحزاب السياسية التى لم تعد تمثل قواعد اجتماعية متعددة من حيث تعبئة وتمثيل مصالح اجتماعية محددة لبعض هذه الشرائح الاجتماعية. من ناحية أخرى تتراجع اهتمامات المواطنين بالانخراط فى عضوية هذه الأحزاب أيًا كانت أيديولوجياتها وبرامجها وقادتها لاسيما من الأجيال الجديدة المرقمنة فى توجهاتها، وتعبيرها عن ذواتها فى وسائل الاتصال الاجتماعي، أو التصويت لها كما حدث نسبيًا فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة. فى المثال المصرى يزداد تمدد الرقمنة وتأثيرها على الأجيال الجديدة والشباب من حيث استخداماتها، أو التعبير عن آراءهم وتوجهاتهم، وانتقاداتهم فى ظل تزايد الفجوات الجيلية بين الشباب، وبين النخبة السياسية والحزبية الضعيفة، ويزداد دور وسائل الاتصال الاجتماعى فى حياة هؤلاء، وفى التشبيك فيما بين بعضهم بعضًا، وفى بناء علاقات الصداقة الرقمية، وفى تبادلهم للآراء النقدية، إزاء النخبة الحاكمة، وذلك بعد انكسار حواجز الخوف فى 25 يناير 2011 وما بعد، ومن ثم لم تعد هناك محظورات خارج النقد اللاذع. الملاحظ أن محاولة الاستيعاب الحكومية للأجيال الجديدة، لا تزال محدودة فى ظل ضعف شديد للأحزاب السياسية، وعودة اللاسياسة أو ظاهرة موت السياسة مجددًا، وهو ما يعكس إعادة إنتاج النخبة السياسية لمشاكلها قبل 25 يناير 2011، وعلى رأسها اللا تراكمية فى استيعاب الأخطاء السياسية، وضعف التكيف السياسى مع التغيرات العولمية والإقليمية، والتحولات الاجتماعية داخل المجتمع المصري. من ناحية أخرى يبدو جليًا ضعف الخبرات التكنقراطية والبيروقراطية داخل بعض أجهزة الدولة، كنتاج لتراجع مستويات التعليم ومناهجه -فى كل مراحله- وجمود التقاليد الإدارية، والفنية داخل هذه الأجهزة، ومن ثم ضعف الكفاءات والمهارات. ثمة تحديات عديدة تواجهنا على رأسها متابعة أثر التحولات الرقمية على الفكر وأساليب العمل والتعليم، وضرورة استيعاب الأجيال الجديدة فى أجهزة الدولة، والقطاع الخاص، والأهم تغيير فكر النخب السياسية فى البلاد فى إطار إصلاح ديمقراطى وسياسى شامل.