تعيش تونس مؤخرًا أزمة طاحنة، نتيجة الخلافات بين الأجنحة السياسية التي يسعى جزء منها للإطاحة بحكومة يوسف الشاهد، وهو ما قد يؤثر سلبا على المشهد الاقتصادي، خاصة في معدلات النمو والمشروعات الخدمية الجديدة والاقتراض الخارجي، وقد يُعطل مؤسسات التمويل العالمية في دعم تونس، في الوقت الذي تشهد البلاد تعافيًا طفيفًا. ووفقًا لبيانات المركزي التونسي، فإن الاقتصاد المحلي يشهد بعض التعافي بارتفاع نسبة النمو في الربع الثاني من العام الحالي إلى 2.8% لأول مرة منذ 7 سنوات، إضافة إلى تعافي قطاع السياحة، وزيادة الصادرات، وحدوث قفزة في الاستثمارات الأجنبية. في حين أكد صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي في تونس يواصل الانتعاش، لكن المخاطر على الاستقرار الاقتصادي الكلي ارتفعت أيضًا، معتبرًا أن التنفيذ القوي للسياسات والإصلاحات المقررة سيخفض المخاطر على الميزانية ويبطئ معدل التضخم. الخبير الاقتصادي محمد الجراية قال: إن "مخاطر عديدة تحيط بالنمو الاقتصادي في تونس وبالتزاماتها الدولية"، مشددًا على أهمية الوصول إلى توافقات تنهي هذه الأزمة قبل المرور إلى مناقشة قانون المالية لسنة 2019، بحسب الشرق الأوسط. اقرأ أيضًا: إجراءات النقد الدولي في تونس.. نهضة اقتصادية أم انتكاسة طاحنة؟ "الجراية" أوضح أن الفترة المقبلة ستكون صعبة بسبب انشغال السياسيين بالمحطات الانتخابية القادمة، ما ينعكس على الوضع الاقتصادي الذي كان يفترض أن يكون أولوية وطنية، مضيفًا أن الحكومة مدعوة للاستجابة للمطالب الاجتماعية المتفاقمة ومحاصرة التضخم وانفلات الأسعار وتواصل انخفاض سعر الدينار، لكن غياب حزام سياسي يدعمها سيزيد من تعميق الأزمة. على جانب آخر، حذر محللون اقتصاديون من إمكانية تعليق صندوق النقد والبنك الدوليين لبرامج تعاونهما مع تونس بسبب غياب الاستقرار السياسي، معتبرين أن استمرارية العمل مع الحكومة الحالية من أهم شروط صندوق النقد الذي سيواصل، وفق اتفاق سابق، ضخ أقساط قروض بقيمة 1.4 مليار دولار العام القادم، وفقا ل"روسيا اليوم". وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.3% في يوليو الماضي، على أساس سنوي، مقابل 8.6% في الشهر السابق له، حسب المعهد الوطني للإحصاء. الخبير محمد الجراية توقع أن تؤثر الخلافات السياسية على ثقة الأسواق المالية ومؤسسات القروض في اقتصاد تونس، مؤكدًا أن الحكومة لن تتمكن من الحصول على دعم جديد من صندوق النقد إلا بعد تقديم ضمانات باستقرار الحكومة. اقرأ أيضًا: التلويح بالاستقالة.. سلاح «نداء تونس» لإجبار «الشاهد» على الرحيل ويحتاج خروج تونس إلى السوق المالية في أكتوبر القادم بحثا عن تمويلات بقيمة مليار دولار، إلى جهد كبير لإقناع المقرضين بقدرة البلاد على تخطي صعوباتها الحالية، حيث من المتوقع أن تكون تكلفة القرض الجديد أكبر من القروض السابقة. وتسببت الخلافات السياسية في الآونة الأخيرة، بشأن رحيل الشاهد أو بقائه، إلى حدوث شلل في العمل الحكومي والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية. وقالت المجموعة في تقريرها الصادر نهاية أغسطس الماضي: إن الصراع متواصل بين المناهضين والداعمين للشاهد، وحالة عدم اليقين بخصوص مواصلة حكومة الشاهد لمهمتها تسهم في شلل العمل الحكومي. وأوضح التقرير أن فرنسا والاتحاد الأوروبي يعتبران "الشاهد" شخصية سياسية ديناميكية قادرة على الوفاء بالتزامات تونس أمام الممولين، وأن عدم الاستقرار السياسي يؤخر إنجاز الإصلاحات. اقرأ أيضًا: حرب باردة جديدة بين السبسي والشاهد.. هل تشتعل تونس؟ في المقابل، ذكر يوسف الشاهد أن حكومته لم تجد الدعم الكافي للقيام بإصلاحات يحتاج إليها الاقتصاد التونسي، معتبرًا أن قوى الجذب إلى الوراء تحول دون إتمام إصلاحات كان يفترض أن تساهم في إنعاش الاقتصاد، بحسب "الصباح نيوز". من ناحية أخرى، صرحت جنات بن عبد الله، الخبيرة الاقتصادية التونسية، بأن الاعتماد على القروض الخارجية والتداين المفرط بات سمة التوجه الاقتصادي في تونس وهذا من التوجهات الاقتصادية التي هي في حاجة للمراجعة الفورية. واعتبرت "الخبيرة الاقتصادية" أن توجيه أموال التداين الخارجي نحو خلاص الأجور وتسديد خدمة الدين وتوفير الموارد المخصصة للدعم وضخ قسط منها لميزانية الدولة، من علامات الصعوبات الاقتصادية، وفقا ل"الشرق الأوسط". وتوقعت ألا يتمكن الاقتصاد التونسي من استرجاع عافيته بالكامل إلا بعد استرجاع المبادرة الاقتصادية وتذليل العوائق أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، والسيطرة على الإدارة العميقة التي اتضح أنها تقف ضد تنفيذ عدد كبير من المشروعات الاقتصادية التي ظلت معطلة لسنوات دون أسباب مقنعة. ويعاني الاقتصاد التونسي من ضعف الموارد المالية الذاتية، وهو ما جعله يعتمد على التداين الخارجي لتلبية حاجيات الميزانية وتوفير أجور أكثر من 600 ألف موظف في القطاع العام، علاوة على الطلبات المتتالية برفع الأجور التي صدرت عن المنظمات النقابية.