انتظرت بريطانيا طويلًا لتظهر أول مؤشرات نجاح مفاوضاتها المستمرة منذ عامين مع الاتحاد الأوروبي بشأن الخروج من المنظمة الحاكمة للقارة، حيث سعت رئيس الحكومة البريطانية تيريزا ماي للتواصل مع العديد من قادة الدول الأوروبية للوصول إلى أرضية مشتركة حول البنود موضع الخلاف في البريكست. بريطانيا التي عانت من ضغوط لا حصر لها خلال السنوات الماضية لغياب أي تقدم يُذكر في مفاوضات خروجها من الاتحاد الأوروبي، استطاعت خلال الفترة الماضية إحراز تقدم ملحوظ في ملف البريكست، حيث أكد عدد من المسؤولين الحكوميين كبار والدبلوماسيين في بروكسل والمملكة المتحدة وعواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى، أن هناك بالفعل اتفاقا قد تم التوصل إليه خلال الفترة الماضية، مؤكدين أنه سيُعرض في قمة مرتقبة بالعاصمة البلجيكية قبل أعياد الكريسماس. وحسب ما جاء في صحيفة بوليتيكو الأمريكية، فإن الخلافات السياسية ما زالت قائمة بين الجانبين، خاصة حول كيفية حل قضية الحدود الإيرلندية، لكن الدبلوماسيين زعموا أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق، موضحين أنه سيتم إقراره من قبل قادة الاتحاد الأوروبي 27 خلال نوفمبر المقبل. تيريزا ماي التي تعرضت لهجوم واضح من جانب البرلمان البريطاني، تنظر إلى الاتفاق على أنه محوري، خاصة بعد أن طالب بعض أعضائه بعرض بنود الاتفاق على البرلمان للبت فيها قبل أن توقعه بريطانيا رسميًا. أملًا في الخروج السريع.. بريطانيا تراهن على الاتحاد الأوروبي للضغط على فرنسا وتعمل بريطانيا والاتحاد الأوروبي الآن عن قرب من أجل التوصل إلى اتفاق مُرضي للطرفين، بنية تجنب أي قضايا يمكن أن ينتقدها خصوم ماي السياسيين، مما قد يؤدي إلى تأخر العملية. وأكد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي للصحيفة الأمريكية، أن اتفاق الخروج البريطاني شارف على الاكتمال، ويتبقى التركيز الأخير على "الإعلان السياسي"، وهي الوثيقة التي تحدد إطار العلاقة التي ستجمع بين بريطانيا ومنطقة اليورو بعد الخروج. وقالت بوليتيكو: "مسؤولو الاتحاد الأوروبي والدبلوماسيون ال27 الذين يعملون في ملف البريكست"، أكدوا أن الحل الوسط النهائي سيعكس بعض جوانب مقترحات المدققين التي قدمتها تيريزا ماي في مايو الماضي، وستبقى غامضة بشكل خاص للحد من أي تهديدات من شأنها نسف الاتفاق برمته". وقال أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي: "كلما كان الأمر أكثر عمومية، سيكون من الصعب على ماي إنجاح خططها وسط المعارضة الواضحة في حزب المحافظين". ووفقا لمسؤول بريطاني رفيع المستوى، فإن أحد المقترحات المطروحة لتجنب أي نقاش حول هذا الغموض يتمثل في جعل الوثيقة النهائية مزيجًا بين "التطلع العالي المستوى" في بعض المجالات و"الاتفاق التفصيلي الدقيق" على تطبيق البريكست في مجالات أخرى. تحسبًا لاستقالتها.. هؤلاء الأبرز لخلافة ماي في رئاسة الحكومة البريطانية وقال مسؤول آخر في الاتحاد الأوروبي، إن الاجتماع الذي عُقد في 22 أغسطس مع كبير المفاوضين الأوروبيين ميشيل بارنييه، دعا الوزير دومينيك راب إلى ضمان قانوني للإطار المستقبلي الذي سيتم تنفيذه في اتفاق الخروج البريطاني، سواء فيما يتعلق بالعملية نفسها أو بنتائجها. وفي الناحية الأخرى، يرى مسؤول ثالث أن هذه الآلية تبدو غير ممكنة، مرجحًا أن تكون الفكرة الثانية ضمن بنود الإعلان السياسي، والذي من شأنه تمكين لندنوبروكسل من الاتفاق على المشاكل المحتملة ووضع رؤية لتسويتها بعد إتمام الخروج البريطاني من اليورو. وقال مسؤول رفيع المستوى للصحيفة الأمريكية: "هذه الشروط لا ينبغي أن تعطي الانطباع ب "الطلاق الدائم" بين الجانبين، ولكنها قد تساعد في تهدئة أي مخاوف من بروكسل بأن بريطانيا يمكن أن تخرج "بميزات تنافسية". واتفق الجانبان الآن على الحاجة إلى "لجنة سياسية مشتركة" مستقبلية، والتي سيكون فيها موظفون من الجانبين، يقومون على وضع إطار منتظم للمساعدة في التغلب على المشاكل السياسية المحتملة بعد البريكست. وعلى الرغم من الدلائل الإيجابية على أنه يمكن الاتفاق على صفقة بعد اجتماع ماراثوني أخير في نوفمبر المقبل، إلا أنه لا يزال هناك عدد من العقبات التي يجب التغلب عليها. بريطانيا تجد ضالتها في الصين للاستعداد لما بعد الخروج الأوروبي ومن المتوقع أن يقدم بارنييه الخميس المقبل إحاطة لقادة الاتحاد الأوروبي خلال قمة غير رسمية في سالزبورج بالنمسا، حيث سيتم مناقشة الإعلان السياسي بالتفصيل لأول مرة، ومن ثم البدء في صياغة النص. وتبقى قضية الحدود مع إيرلندا الشمالية عقبة محتملة، لذا قال مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن التوصل إلى قرار حول اتفاقية الخروج سيتطلب لغة مطمئنة لضمان حماية مصالح إيرلندا، غير أن أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أخبر بوليتيكو أن هذا سيحتاج إلى تنازل نادر من رئيسة الحكومة البريطانية عن مفهوم "الحدود الحادة" مع دول الاتحاد الأوروبي.