تجري منذ حوالي 3 سنوات عملية تطوير في ذهنية «عائلة السبكي» صاحبة أكبر مجموعات الإنتاج السينمائي التجاري في مصر، التي تنبثق منها عدة شركات تحمل نفس العائلة. يتسلم قيادة المجموعة اليوم أبناء الجيل الثاني الذين ارتبط صعودهم بانحسار واضح لمفردات الإنتاج القديمة «الخلطة السبكية»، التي تشمل (بلطجي + راقصة + حي شعبي) فلا تهم القصة كثيرًا بقدر أهمية كثرة الأغاني والرقصات والمعارك. الجيل الثاني من أبناء عائلة «السبكي» ليسوا تجارًا كآبائهم، لكنهم درسوا علوم السينما في الجامعة الأمريكية والولايات المتحدة. لذلك، يحاول الجيل الثاني الخروج من العباءة الأبوية بأفلام مختلفة المحتوى، أحدثها فيلم «حرب كرموز» إخراج بيتر ميمي. تجاوزت إيرادات «حرب كرموز» حاجز 50 مليون جنيه، ويستمر عرضه في عدد من السينمات رغم دنو الموسم الجديد (عيد الأضحى)، رغم انطلاقه مع أول أيام عيد الفطر منذ أكثر من شهرين، ورغم أن مباريات كأس العالم كانت عنصر الجذب الأهم خلال تلك الفترة. تدور أحداث فيلم «حرب كرموز» حول تبعات تمسك الضابط الشجاع يوسف المصري (أمير كرارة) بحق فتاة اغتصبها أحد ضباط الاحتلال الإنجليزي إبان تواجد قوات المستعمر البريطاني في مدينة الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية. إذ يرفض يوسف تسليم الضابط الإنجليزي مُرتكب الجريمة إلى سلطة الاحتلال، كما يرفض تسليم الشباب المصري الذين حاولوا مواجهة الضابط المغتصب، لذلك يقرر الحاكم العسكري الإنجليزي مهاجمة قسم شرطة كرموز بحشود ضخمة من الجنود، بينما يدافع يوسف ورفاقه عن القسم ببسالة دفاعا عن مثلث الشرف المصري الحالي، الذي يرتكن على نقاط ارتكاز محورية تتمثل في (ذكورية التفكير، الشوفينية الوطنية، هيبة الضابط). من هنا تأتي معضلة الفيلم التي تتشابك لتؤكد أزمات ذهنية «الخلطة» التي ما زلت مسيطرة رغم تطور الجيل الثاني، فأحداث «حرب كرموز» تدور خلال زمن مختلف بمفردات مختلفة، لكنه يستدعي بدلا منها مفردات اليوم ليحاول توفيق ما لا يتفق. الإداراة الإنتاجية لم تبتعد عن ذهنية «الخلطة» لكنها فقط بدلت في عناصرها بحيث يظهر عدم المساس بنفس المخرجات، فبدلا من (بلطجي شهم + راقصة مقهورة + حي شعبي في القاهرة) نجد (ضابط شهم + فتاة مقهورة + حي شعبي في الإسكندية). مثلما تعج أفلام الخلطة القديمة بتوابل متمثلة في ممثلين لا يخدم تواجدهم دراما الفيلم لكن دعمه جماهيريا، إذ أتى «حرب كرموز» بالنجم محمود حميدة وممثل الأكشن الإنجليزي سكوت آدكينز (بويكا)، ليكلف ذلك ميزانية الفيلم عدة ملايين إضافية لم يكن لها داعٍ، لكنها مثلت مبلغ التأمين الذي أكد اطمئنان المنتج، وقد كان. «حرب كرموز» ابن بار لسينما «الخلطة» مع محاولة تحديثها. إذ لا يمكن إنكار محاولات تميز الإنتاج الفني للفيلم، واستخدام تقنيات متقدمة تخص الخدع والمؤثرات البصرية. كما يقدم الفيلم موهبة جديدة لمصمم مطاردات السيارات «عمرو ماكجيفر» الذي قام بتصميم مشاهد الأكشن في الفيلم. يخلع أيضا الموسيقار «خالد داغر» الأستاذ بمعهد الكونسيرفاتوار عباءته الأكاديمية ليقدم موسيقى تصويرية صاخبة على مقاس ما يريده المنتج للفيلم، لا ما ينبغي أن تقوم به موسيقى الفيلم. السيناريو في «حرب كرموز» هامشي الدور، يفتقر إلى الحرفة والمنطق، بما يشعر المتلقي أن أحداث الفيلم ليست سوى ارتجال -شِبه منظم- من فريق العمل. أما الحوار فمنفصل عن زمن الفيلم ليقدم مفردات حوار اليوم بمزيد من عوامل الجذب التجاري الرخيصة، التي تمزج المنطق الذكوري بجرعة ليست قليلة من الابتذال. الإنتاج الضخم لفيلم «حرب كرموز» قد يكون مقدمة لمزيد من الأفلام مرتفعة التكلفة الإنتاجية، بما سيشعل التنافسية بين شركات الإنتاج، وذلك بلا شك محرك جيد لعجلة الصناعة. الفائز الأكبر في فيلم «حرب كرموز» هو منتجته الدؤوبة ندى السبكي التي أدارت عملية إنتاج الفيلم بتمكن جيد يخص عنصر الوقت، كما انفتحت إلى خلق حملة علاقات عامة ساهمت بقدر كبير في ترويج الفيلم قبل عرضه، وتحميس عدة شرائح جماهيرية إلى مشاهدته. أدت أزمة الإنتاج السينمائي في الفترة بين (2011-2013) إلى هروب عدد من نجوم السينما إلى الدراما التليفزيونية الرمضانية، وقد تسبب هذا الهروب في أفول نجم عدد منهم. لكن العكس حدث مع أمير كرارة، الذي لا يذكر له المشاهد أيا من أدواره السينمائية قبل خوضه بطولة مسلسلات رمضان لخمس مواسم متتالية، أظهر في بدايتها تطورا لفت إليه الأنظار وجعل منه واحدا من أهم نجوم الموسم الرمضاني. ذلك الوضع القوى الذي خلقه كرارة بين جمهوره قدمه كحصان أسود إلى المنتج السينمائي، لا سيما أنه قليل المشاكل وحياته الشخصية بعيدة عن الأضواء بما يجعله أقل استفزازا للجمهور من بعض منافسيه المصرين على تأكيد أنهم (رقم واحد) دون أي بينة. راهن أمير كرارة على زي رجل الشرطة في «حرب كرموز» كما راهن عليه في الموسمين الرمضانيين الفائتين، إذ نجح مسلسل «كلبش1» نجاحا لم يكتمل مع جزئه الثاني «كلبش2» بسبب المبالغة في الدعائية، فهل يحافظ كرارة على نجاحه الجماهيري في «حرب كرموز» ويتجنب غلطة «كلبش2»، هذا ما يجب على كرارة الانتباه إليه في التجربة القادمة.