يعد التحنيط من أكثر أسرار الحضارة المصرية القديمة غموضا، إذ جسدت المومياوات اعتقاد قدماء المصريين في فكرة البعث والخلود بعد الموت، ما دفعهم لابتكار طريقة سرية في التحنيط تعمل على الحفاظ على جثثهم دون تحلل بشكلها وهيئتها كما هي عليه. وبإعلان وزارة الآثار، اليوم السبت، عن الكشف الأثري المهم بجبانة سقارة، والذي يضم بئرا به غرفة تحنيط بها العديد من الأوانى المكتوب عليها أسماء الزيوت المستخدمة في التحنيط في مصر القديمة، يتجدد أمل العلماء في محاولة فهم عملية التحنيط الغامضة التى تعد سرا من أسرار الفراعنة. وفى هذا الصدد، أعلن الدكتور رمضان البدري رئيس البعثة المصرية الألمانية بالموقع الأثري، الاستعانة ب3 كيميائيين من مصر و3 آخرين من ألمانيا ضمن فريق العمل الأثري، فيما يتم حاليا تحليل بقايا المواد التى عثر عليها في أوانى التحنيط في معامل المركز القومي للبحوث بالدقي، لمحاولة الكشف عن ماهية تلك المواد وخواصها. ويعد علم التحنيط سرا من أسرار الفراعنة، وكل معلوماتنا عنه وخطواته كانت مبنية على ما ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت، والذي زار مصر عام 500 قبل الميلاد. اقرأ أيضا| اكتشاف 55 مومياء وقناع مذهب في سقارة.. والآثار: يقودنا لأسرار التحنيط ويعتبر الكشف عن المقبرة رقم (63) بوادي الملوك، والتي تقع أمام مقبرة الملك توت عنخ آمون، أولى محطات الكشف عن أسرار التحنيط المصري القديم، إذ عثر بداخلها على 8 توابيت داخلها مواد التحنيط، التي استعملها المحنط المصري في تحنيط مومياء الملك توت عنخ أمون، إذ تأكد أن هذه المقبرة مجرد خبيئة لدفن بقايا تحنيط مومياء الفرعون الذهبي توت عنخ آمون. واستطاع الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية برئاسة عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، دراسة المومياوات باستخدام جهاز الأشعة المقطعية، وذلك بعد أن كانت المومياوات تدرس عن طريق فحص أشعة إكس (X - Ray)، والتي لا يعطي صورة واضحة، على عكس الأشعة المقطعية التي يمكن من خلالها الحصول على معلومات دقيقة عن كل جزء بالمومياء. ومن المفارقات أنه تم الكشف عن أن عملية تجفيف جثمان الفرعون بملح النطرون يستغرق نحو 40 يوما، ومن هنا جاء الموروث الشعبي المصري وهو إحياء ذكري مرور 40 يوما على المتوفى، وبعد الانتهاء من عملية التجفيف تستكمل عمليات التحنيط لمدة شهر آخر، أى تستغرق عملية التحنيط بالكامل 70 يوما، وكانت تدفن معه كل متعلقاته، وخاصة الملوك الذين كانت يدفن معهم خدامهم ومتعلقاتهم الذهبية وحلاهم وقلادهم. والمحنط المصري القديم استعمل أساليب مختلفة في التحنيط ولم يلتزم بطريقة واحدة، حتى إنه من الصعب إيجاد مومياوتين متشابهتين تماما من حيث أسلوب التحنيط والمواد المستعملة فيه، والتى كانت باهظة الثمن لدرجة أنه كان يتم الاقتصاد فيها بشتى الطرق. اقرأ أيضا| «الآثار»: اكتشاف موقع أثري يرجع للعصر الروماني والبيزنطي وتمتلك مصر متحفا للتحنيط بمحافظة الأقصر، ويعد الأول من نوعه في العالم، وتم افتتاحه عام 1997، وتبلغ مساحته نحو 2035 مترا مربعا، ويحكي قصة التحنيط والأدوات التي كان يستخدمها المصري القديم لحفظ الجثث، بالإضافة إلى عدد كبير من المومياوات والتوابيت. ويضم المتحف حوالى 150 قطعة تبرز تقنيات فن التحنيط المصري القديم التي طبقها القدماء المصريون على العديد من المخلوقات وليس على البشر فقط، حيث أنه يعرض مومياوات لقطط وأسماك وتماسيح. ومن أبرز القطع المعروضة "سرير التحنيط" الذي يستخدم في عملية التحنيط، والذي تم العثور عليه مكسورا في المقبرة رقم (63) بوادي الملوك، وهو مكون من 3 حمالات خشبية منفصلة ملفوفة بالكتان، ومزينة برأسي أسد، كما يحتوي المتحف على الأدوات التي كانت تستخدم في التحنيط، وهي عبارة عن وسادتين استخدمتا في عملية التحنيط، وهما مصنوعتان من الكتان، فضلا عن 4 آخرين عثر عليهم حديثا في المقبرة (63) بمنطقة وادي الملوك ترجع لعصر الأسرة ال18. ويحتوي المتحف على قاعة العرض التي تضم 10 لوحات معلقة توضح تفاصيل طقوس الموكب الجنائزي والإجراءات التي تتبع من الموت وحتى الدفن، وأكثر من 60 قطعة في 19 نافذة عرض زجاجية، وتبلغ القطع الأثرية في تلك الصالة 66 قطعة أثرية ترجع لعصور مختلفة من تاريخ مصر القديم، منها آلهة التحنيط، وهم تمثال أوزوريس الخشبي وتمثال إيزيس ونفتيس والمركب الجنائوي، بالإضافة إلى أدوات التحنيط من أواني ووسائل التحنيط والتوابيت، كما يحتوي على عدد من الحيوانات المحنطة التي كانت لها دلالات معينة لدى المصري القديم، مثل الكبش، والقطة، وطائر أبو منجل، والتمساح، والقرد. اقرأ أيضا| اكتشاف مدينة فرعونية كاملة أثناء تنقيب عصابة عن الآثار بالمنيا ومن أشهر المومياوات الموجودة في المتحف، مومياء الأمير (ماساهرتي) في تابوته، وصناديق أحشاء الملكة حتب والدة الملك خوفو، بالإضافة إلى قطعتين حديثتين، هما عينة حديثة من ملح النطرون من وادي النطرون غرب الدلتا، وهي تعتبر أهم مادة استخدمها المحنط المصري القديم، وقد جلبت هذه العينة من نفس المكان الذي كان القدماء يجلبون منه وهو وادي النطرون، بالإضافة إلى "البطة" المحنطة حديثا، والتى حنطها المصري زكي إسكندر في محاولة للوصول إلى طريقة تجفيف الجسد وتحنيطه. ويعد متحف التحنيط الوحيد في مصر، الذي يعتمد على حزم ضوئية تنزل مباشرة على القطع الأثرية، ويتم قياس درجة الإضاءة يوميا حتى تتم المحافظة على المواد العضوية.