حرب تجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين كانت على وشك الاندلاع خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد فرض تعريفات جمركية على صادرات بعضهما البعض. إلا أن الصينوالولاياتالمتحدة سارعتا إلى حل النزاع المتصاعد، وتوصلا في النهاية إلى اتفاق، أعزى العديد من المتابعين الفضل في التوصل إليه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينج. ووصفت صحيفة "ساوث تشينا مورنينج بوست" الصينية، هذا التطور بالإيجابي، الذي لن يكون له آثار على العلاقات الصينيةالأمريكية فقط، ولكن أيضا على الاقتصاد العالمي. حيث لن تؤدي الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم إلى تأخر الانتعاش الاقتصادي العالمي فحسب، بل ستؤدي إلى تقويض النظام القائم في التجارة العالمية. اقرأ المزيد: رغم اتفاق الصينوأمريكا.. شبح الحرب التجارية ما زال قائمًا إلا أنها أشارت إلى أن التوافق الذي تم التوصل إليه بعد يومين من المحادثات بين الجانبين التي قادها نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو هي، ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن، الأسبوع الماضي، لم تنتج سوى هدنة وليس معاهدة شاملة، حيث لا تزال هناك اختلافات جوهرية، مما يعني إمكانية نشوب حرب تجارية. وتشمل القضايا الرئيسية الثلاث للصراع التجاري بين الصينوالولاياتالمتحدة، العجز التجاري بين البلدين، وسرقة حقوق الملكية الفكرية في الصين، والسياسة الصناعية في بكين. وبموجب الاتفاق الأخير، ستبدأ الصين في شراء المزيد من السلع والخدمات الأمريكية، لا سيما في قطاعي الزراعة والطاقة، في محاولة لتقليل العجز التجاري الهائل بين البلدين، وهي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت ترامب إلى التهديد بشن حرب تجارية. ومع ذلك، فإن مجرد شراء المنتجات الزراعية والطاقة من الولاياتالمتحدة لن يكون كافيًا لتلبية مطلب ترامب بخفض العجز التجاري الذي بلغ في العام الماضي 375 مليار دولار أمريكي، إلى 200 مليار دولار. اقرأ المزيد: بعد الاتفاق على تخفيض العجز التجاري.. هل انتهت الأزمة بين أمريكاوالصين؟ وأشارت الصحيفة إلى أنه لمعالجة العجز بشكل صحيح، والذي يرجع بشكل كبير إلى اختلال التوازن في تجارة السلع، ستحتاج بكين إلى فتح سوقها أمام الخدمات الأمريكية، وهو أمر حساس سياسيًا وأيديولوجيًا. ولكن في الوقت الذي أكد فيه القادة الصينيون على فائدة فتح الأسواق الصينية أمام السلع والخدمات الأجنبية، فإنهم يتوخون الحذر فيما يتعلق بالتدفق الحر للمعلومات، الأمر الذي يعتبر تهديدًا للحكم الاستبدادي في الصين. حيث تعد الصين، على سبيل المثال، من بين البلدان القليلة حول العالم، التي حظرت الوصول الكامل إلى مواقع "جوجل" و"يوتيوب" و"فيس بوك". والأهم من ذلك أن زيادة اعتماد الصين على السلع والخدمات الأمريكية، سيعطل بشكل خطير العلاقات التجارية الراسخة مع الدول الأخرى، حيث سيتعين على الصين أن تغير طلبات الاستيراد الكبيرة من الشركاء التجاريين الرئيسيين الآخرين، مثل البرازيل وأستراليا وروسيا، إلى الموردين الأمريكيين. اقرأ المزيد: من المستفيد من الحرب التجارية بين الصينوأمريكا؟ كما تعهدت بكين بموجب الاتفاقية بتعزيز حماية الملكية الفكرية من خلال تعديل قانون براءات الاختراع الخاص بها، لكن تطبيق مثل هذه القوانين ضعيف في الصين. ويؤكد عدم ذكر مشكلة الملكية الفكرية في استراتيجية الصين الصناعية "صنع في الصين 2025"، على الصعوبات التي تواجه التوصل إلى اتفاق في هذا المجال، حيث تتنافس الصينوالولاياتالمتحدة الآن على التفوق التكنولوجي. وأكدت الصحيفة الصينية أن المشكلة ترتبط بفلسفة الصين في الإدارة الاقتصادية والتنمية، ففي الوقت الذي يتعهد فيه القادة بالسماح لقوى السوق بلعب "دور حاسم" في توزيع الموارد، فإن الرأسمالية الصينية التي يقودها الحزب الحاكم والموجهة من الدولة تمنح الحكومة سلطات غير مقيدة فيما يتعلق بالاقتصاد. وأضافت أنه من وجهة نظر اقتصادية، ربما كان ترامب على حق عندما قال إنه سيكون من السهل الفوز في الحرب التجارية مع الصين، هذا ليس فقط لأن الصين تصدر أكثر بكثير من الولاياتالمتحدة أكثر من العكس، ولكن أيضا لأنه من السهل نسبيا أن تجد أمريكا بدائل للواردات الصينية، لأن معظمها سلع استهلاكية. اقرأ المزيد: إلى أين تتجه الحرب التجارية بين الصينوأمريكا؟ من ناحية أخرى، ستجد الصين صعوبة كبيرة في إيجاد بدائل للواردات الأمريكية، حيث تعد العديد من هذه المنتجات عالية التقنية، وهذا يفسر سبب استعداد بكين لتقديم تنازلات راديكالية، لضمان تجنب الحرب التجارية. لكن من وجهة النظر السياسية، فإن أي حرب تجارية قد تلحق المزيد من الضرر بزعيم منتخب بشكل ديمقراطي، أكثر مما ستلحقه بحكم استبدادي، حيث ستؤثر الحرب التجارية بشكل مباشر قاعدة ترامب السياسية، مما يفقده المزيد من الأصوات في الدوائر الانتخابية التي تعتمد على الصناعات الأكثر تضررا، من ناحية أخرى، لن يحتاج شي إلى القلق بشأن ما قد يفكر فيه الناخبون. وهذا يفسر لماذا كان ترامب على استعداد لتقديم تنازلات، بقبول ما وصفه سابقا بأنه اتفاق غير كامل. وقالت الصحيفة إن الحقيقة وراء هذا الاتفاق بين الصينوالولاياتالمتحدة، هي أن كلا من ترامب وشي يعرفان جيدا أنهما سيكونان الخاسر الأكبر إذا نشبت حرب تجارية.