لم يكن يتوقع المواطن (صلاح. ز) أن شقة العمر التي انتظرها طويلًا لأكثر من ثلاث سنوات لترحمه من نار الإيجارات الباهظة، التي لم يعد يتحمل فواتيرها اليوم من أجل الاستقرار في «عش الزوجية» سوف ينتهي بها الحال بهذه الصورة، وكان مصيره معلقًا بين يدي محافظة بني سويف ووزارة الإسكان، التي منذ أن استلمتها من المقاول تركتها فريسة لسماسرة العقارات ولصوص الشقق بالمنطقة، الذين حولوها إلى شبه «خرابات». قبل 3 سنوات تقدم صلاح بأوراقه في قرعة للحصول على وحدة سكنية ضمن صندوق الإسكان الاجتماعي، المملوك للوزارة، الذي يتكون من 3 آلاف وحدة سكنية موزعة في مناطق متفرقة بالمحافظة، التي خصصتها المحافظة للشباب وسحب كراسة الشروط مقابل 500 جنيه، ودفع أيضًا مقدم الحجز البالغ 5 آلاف جنيه للحصول على شقة يتملكها بعد سنوات طويلة من المعاناة والشقاء مع شقق الإيجار. وانتظر المواطن المصري أن يستلم شقة العمر، للاستقرار بها وبداية حياة زوجية جديدة، لكن طال الانتظار، وتأخر الاستلام، ولم تأت الشقة التي طالما بات يحلم بها، وفوجئ مثل غيره بتعرضها للسرقة من قبل من يُطلق عليهم العرب، وتم تكسير الأبواب والنوافذ الداخلية كذلك. هنا اضطر صلاح إلى استئجار شقة للزواج في منطقة أخرى أكثر أمنًا (ببا) ببني سويف مقابل 700 جنيه شهريًا بعد أن ضاق ذرعًا بوعود الوزارة وتصريحات المسئولين. المفاجأة الكبرى كانت قبل 3 أيام، حين فوجئ بعمال مستأجرين من قبل محافظة بني سويف يقومون بتكسير أبواب تلك الوحدات، تحت إشراف مهندسين من مديرية الإسكان والمرافق في حضور المهندس (محسن. ش)، الذي كان يباشر أعمال تدمير «إسكان الغلابة»، رغم أنه من ضمن الموقعين على «محضر الاستلام» في فبراير 2015، حسب تعليمات صادرة من قبل وكيل وزارة الإسكان بمحافظة بنى سويف. صلاح وغيره من مئات المواطنين، الذين حجزوا في مشروع الإسكان الاجتماعي بالمحافظة وقعوا ضحية صراعات وخلافات حادة، وصلت أخبارها إلى ساحات القضاء بين وزارة الإسكان، وشركة المقاولات المنفذة للمشروع تحت دعاوي وجود أخطاء فنية في أعمال التنفيذ، فضلًا عن معاناتهم شبه اليومية مع البلطجية وسماسرة العقارات، الذين يحكمون قبضتهم على عدد كبير من وحدات الإسكان الاجتماعي. مخالفات فنية قبل شهر ونصف أعلنت مديرية إسكان بني سويف أنها استردت 250 ألف جنيه من إجمالي 847.696 جنيه على أن يتم توريد باقي المبلغ خلال عشرين يومًا من مقاول إنشاء طرق أسفلتية لعدد 44 عمارة سكنية بالمشروع القومي للإسكان الاجتماعي من المرحلة الثانية بناحية بياض العرب شرق النيل مركز بني سويف بسبب وجود مخالفات فنية في الاستلام الابتدائي للمشروع، وهو ما أثبتته تحقيقات النيابة العامة في القضية رقم (5294) لسنة 2016 عبر تشكيل لجان فنية متخصصة للفحص الشامل لهذه العملية، التي أقرت بوجود مخالفة للمواصفات الفنية بالمشروع. «التحرير» حصلت على مستندات رسمية تكشف وقائع إهدار المال العام في مشروع تسليم 17 عمارة سكنية في مشروع الإسكان الاجتماعي بمحافظة بني سويف، من بينهم 4 عمارات سكنية ببياض العرب، تشتمل على 96 وحدة سكنية بعد مرور 3 سنوات على تسليمها للمحافظة. المخالفة الأولى على طريق (ببا - بني سويف) يجري تنفيذ مشروع الإسكان الاجتماعي ل13 عمارة سكنية، لكن رغم مرور 6 أشهر على تسليم المكان لشركة المقاولات المنفذة (الحسان) لم يجر الانتهاء سوى من أعمدة الدور الأرضي فقط. تقرير اللجنة الهندسية الاستشارية الصادرة عن جامعة بني سويف برئاسة الدكتور أيمن حسنين أبو العلا، مدير وحدة الاستشارات الهندسية بالجامعة، أكد وجود مخالفات جسيمة في أعمال المقاولات، والمواصفات الفنية وطالب المهندس الواضح أبو جبل محمد، وكيل وزارة الإسكان والمرافق ببني سويف بسرعة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإيقاف جميع المستحقات المالية الخاصة بالشركة المنفذة «الحسان». جاء ذلك بعد تأكيد تقرير اللجنة الهندسية على وجود سوء مصنعية شديدة في الخرسانات المستخدمة على الطبيعة لعمارات الإسكان الاجتماعي بمنطقة سدس مجموعتي (ب & د)، وأصدر وكيل الوزارة قرارًا بإيقاف جميع مستحقات المقاول حتى إشعار آخر، وذلك بعد صرف الدفعة الأولى له. المفارقة هنا أن تقرير وحدة الاستشارات والدعم الهندسي والتكنولوجي التابعة لمديرية الإسكان والمرافق، طالب بوقف صرف المستحقات المالية للمقاول (شركة الحسان للمقاولات)، وفي الوقت ذاته أوصى بصرف مبلغ 3 ملايين جنيه كدفعة أولى، بأوامر من وكيل وزارة الإسكان ببنى سويف، بعد يومين فقط من صدور تقرير المخالفات الفنية في الخرسانة المسلحة. كما كشفت مصادر خاصة داخل مديرية الإسكان ببني سويف أن وكيل الوزارة طرح خلال الأيام الماضية أعمال المشروع المنتهية إلى شركة أخرى مملوكة لصهره «محمد. س. ك» مقابل 220 ألف جنيه. الواقعة الثانية حصلت «التحرير» على فيديو يكشف قيام مهندسين من مديرية الإسكان ببني سويف باستئجار عمال «عتالة» لتكسير أبواب وشبابيك الوحدات السكنية بمشروع الإسكان الاجتماعي بمنطقة سِدْس بالمحافظة في حضور المهندس (محسن. ش)، الذي كان يباشر أعمال تدمير «إسكان الغلابة»، رغم أنه من ضمن الموقعين على «محضر الاستلام» في فبراير 2015 حسب تعليمات صادرة من قبل وكيل وزارة الإسكان بمحافظة بنى سويف. وأعلنت شهادة سابقة الأعمال الصادرة من محافظة بني سويف وقسم العقود بمديرية الإسكان والمرافق في إبريل 2015 أن المقاول قام بتنفيذ هذه الأعمال بكفاءة فنية ومالية عالية وفي مواعيدها المحددة. إثبات حالة المهندس راشد محمد جودة، صاحب شركة المقاولات المنفذة للمشروع، أوضح أن تكسير الأبواب والنوافذ وتغيير الكوالين لتغيير معالم الوحدات السكنية، التي تم الانتهاء منها قبل 3 سنوات وذلك من أجل التهرب من صرف باقي مستحقات الشركة المنفذة للمشروع وتطبيق غرامات وجزاءات عليها لعدم استكمال أعمال المشروع حتى الآن وإثبات حالة بذلك على الطبيعة. يوم 8 مارس الماضي تقدم المهندس بشركة داري للمقاولات راشد محمد جودة، بشكوى عاجلة إلى محافظ بني سويف بخصوص إنشاء 4 عمارات بمنطقة بياض العرب جاء فيه أنه رغم تقديم محضر الاستلام الابتدائي بتاريخ 4 فبراير 2015 ووجود شهادة سابقة أعمال معتمدين من الجهات التنفيذية المختصة وموقعة بخاتم شعار الجمهورية إلا أن مديرية الإسكان والمرافق أرسلت مندوبين عنها لتكسير أعمال الشركة بوحدات الإسكان الاجتماعي ببياض العرب. تزوير في أوراق رسمية من جانبه اتهم المهندس راشد جودة، المشرف على المشروع بالشركة مدير إسكان بني سويف، بالتزوير في أوراق رسمية (محضر استلام الأعمال)، وتعمد المهندس الواضح أبو جبل، وكيل الوزارة تضليل الجهات الحكومية بتقديم مستندات مزورة ومخالفة للحقيقة. وأضاف، أن مديرية الإسكان طرحت أعمالًا سكنية تم الانتهاء منها وتسليمها على الطبيعة، ومصروفة القيمة إلى شركة مقاولات أخرى مملوكة لأحد أقارب وكيل الوزارة، ما يعد إهدارًا للمال العام رغم اعتماد المديرية لكل الخامات والمواد المركبة وتحرير محضر رسمي بها، أبرزها توريد وتركيب «كوالين» مماثلة للموجودة في أبواب الوحدات السكنية وسبق أن قام نفس المسئول بتكرار هذا الأمر مع شركة أخرى في عملية خط الطرد، وصدر قرار من النيابة الإدارية بمعاقبة موظفي المديرية، مطالبًا المقاول بالتعويض على أخطاء مديرية الإسكان. راشد أكد ل«التحرير»، أن مسئولية شركة داري للمقاولات انتهت بعد مرور عام على مدة الضمان المتفق عليها في العقد وطوال تلك المدة لم تتقدم أي جهة حكومية بأوراق رسمية تفيد وجود أخطاء في تنفيذ المشروع وبمرور الوقت تأخرت المديرية عن صرف مستحقات الشركة بدعوى عدم مراجعة العقد في مجلس الدولة، وكانت المستحقات المالية تقدر ب10.9 مليون جنيه تم صرف الدفعة الأكبر منها 10 ملايين جنيه. هنا تقدمت شركة المقاولات بدعويين قضائيتين في مجلس الدولة ضد مديرية الإسكان للمطالبة بباقي المستحقات عند مديرية الإسكان والبالغة قرابة 2 مليون جنيه، من بينها 949 ألفا و848 جنيها مع زيادة بنسبة 5% وباقي مبلغ التعاقد وحوالي 570 ألف جنيه للتأمينات وفروق أسعار مقررة حسب القانون ليكون الإجمالي حوالي 800 ألف جنيه. الإسكان تتهم المقاول المهندسة نفيسة هاشم، وكيل أول وزارة الإسكان، رئيس قطاع الإسكان والمرافق، ذكرت أن مديرية الإسكان قامت في ضوء البروتوكول الموقع بين ديوان عام الإسكان والمديرية بالتعاقد مع شركة داري للمقاولات (راشد محمد جودة) لإنشاء 4 عمارات، بإجمالي 96 وحدة سكنية ضمن مشروع الإسكان الاجتماعي (المرحلة الثانية) ببياض العرب، وهي العمارات محل الفيديو المتداول. وأكدت هاشم، أن اللجنة المشكلة بمعرفة الوزارة لم تتسلم العمارات حتي الآن، نظرا لوجود ملاحظات لديها، وأن المقاول امتنع عن تلافي تلك الملاحظات، وقامت المديرية باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المقاول وإنذاره أكثر من مرة بتواريخ 8 و24 نوفمبرو5 ديسمبر 2016، و20 يوليو و1 أغسطس 2017 و16 سبتمبرو21 أكتوبر الماضي، لإنهاء توصيات لجنة الاستلام الابتدائى المُشكلة بمعرفة الوزارة، لكنه لم يستجب. هنا تم إسناد العمارات لمقاول آخر حسب هاشم، لإمكان تلافي ملاحظات اللجنة حتى يتسني الاستلام الابتدائي للعمارات، وتسليم الوحدات للحاجزين في المواعيد المقررة. إنذارات ضد الشركة أما فيما يخص التعاقد مع مقاول جديد فأوضحت وكيل وزارة الإسكان، أنهم لجأوا إلى ذلك بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء الصادرة بتاريخ 10 يناير 2017 في القرار رقم (6/1/17/13) بالتعاقد مع مقاولين جدد إذا كان هناك تقاعس من قبل أحد المقاولين الحاليين، وقد تم اتخاذ جميع الإجراءات السابقة، تنفيذا لهذا القرار، وكذلك حتي يمكنهم تسليم الوحدات السكنية في نهاية الشهر الجاري. وفي بيان صادر عن مديرية الإسكان والمرافق ببني سويف جاء فيه أنه أثناء تسليم العمارات للمقاول الجديد لبدء العمل، قام مندوب المقاول السابق بالتعدي على مهندسة المشروع والفنيين بالموقع بالسب والقذف، وتم تحرير محضر ضده في النيابة العامة لمركز بني سويف برقم 1538 لسنة 2018، وقام المقاول الجديد بعمل محضر لمندوب المقاول القديم بعد التعرض له أثناء العمل بالمحضر رقم 37/234 أحوال مركز بني سويف. خارج الضمان في المقابل نفى المهندس راشد جودة، صاحب شركة المقاولات «داري»، واقعتي التعدي ووصول أي إنذارات أثناء مدة الضمان، وأن جميعها صادرة خارج تلك المدة، قائلًا :«إجراءاتنا سليمة، وهمّ في وضع إدانة، ومعانا أصول الأوراق كلها، وشهادة سابقة الأعمال، التي تخلي طرفنا من موضوع الشقق وتحفظ حقوقنا كاملة». بينما أعلنت وكيل وزارة الإسكان في تصريحات خاصة ل«التحرير»، عن قرارها بإحالة ملف وحدات الإسكان الإجتماعي ببياض العرب في محافظة بني سويف إلى قطاع التشييد بالوزارة للفصل بين الطرفين (شركة المقاولات ومديرية الإسكان والمرافق) لإنهاء الأزمة وتسليم المواطنين الوحدات السكنية.