واجه البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، هجمات ممنهجة خلال 5 أعوام مرت على تجليسه، وذلك بعدما غير في اللوائح الداخلية في الكنيسة، وعلى الرغم من ذلك لم ينظر خلفه مستكملًا مسيرته دونما أي تردد. يرى تواضروس أن الكنيسة ليست شخص «البابا»، وإنما تدار وفق مؤسسات فاعلة كل في تخصصه، ولذلك كلف أكثر من 40 سكرتيرا، بمهام محددة، في الوقت الذي يؤمن أن ظهوره لا يجب أن يتم إلا في مواقف معينة تستوجب ذلك. يقول الأنبا بيمن أسقف قوص ونقادة في تصريحات خاصة ل"التحرير"، إن الفترة الزمنية التي مرت على تحمل البابا تواضروس المسؤولية قليلة لكنها بدون مجاملة مليئة بالإنجازات، وهو في سباق مع الزمن، وكان مهتمًا بالترتيبات الرعوية، كما قام بزيارات لأنحاء الكرازة في الداخل والخارج. وأشار إلى أن تواضروس ركز على العمل الإداري داخل الكنيسة وتنظيم اللوائح والتي بدأت بلائحة اختيار البابا حتى الأساقفة والعاملين بالكنيسة، وهي أمور تأخذ مجهودًا جبارًا، كما أنها من الأمور الإرشادية الملهمة. وأوضح أن البابا اهتم بالعمل التدريبي المتواصل لقيادات الخدمة لمواكبة العصر، كما واجه التطرف وعمليات التشكيك في الإيمان والعقيدة، وعلى الرغم من أنه تحمل المسؤولية في فترة كانت كثيرة الحروب والتحديات فإنها كانت أيضًا كثيرة الإنجازات. وحول دعم تواضروس للقيادة المصرية قال: إن هذا إيمان الكنيسة، وتواضروس هو الأب، والإيمان هو من تصدى للإرهاب، فضلًا عن حبنا لمصر، والتي تكشف عن صدق مقولة البابا شنودة "مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه". وأوضح أن الظروف هي التي سمحت لإعلان هذا الوفاء والانتماء لوطننا، والبابا تواضروس يتصدى للتطرف بالصلاة وقوة الإيمان والنصيحة التي يقدمها لأولاده، وأعضاء المجمع المقدس، وهو حريص على تأصيل فكرة المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية. بيمن وجه رسالة للبابا قائلًا: "لازم تسافر وتتعالج من آلام الظهر، إنت رفضت إجراء عملية لضرورة عدم التحرك لمدة شهر، نعلم أنك حريص على إتمام التزاماتك لكن آن أوان أن يتم علاجك في ألمانيا وترجع بالسلامة، من فضلك من أجل الكنيسة ومصر خد بالك من صحتك". يقول نجيب جبرائيل، مستشار الكنيسة القبطية، إن الفترة التي مرت على تجليس البابا تواضروس كانت عبارة عن نضال وطني وكنسي، حيث جاء تجليسه في أوقات عصيبة من عمر مصر، وشهد عهد الإخوان و ثورة 30 يونيو، وتحمل الكثير منها حرق أكثر من 72 كنيسة وهدم أكثر من 30 مبنى خدمات. وأوضح أنه تحمل ما جرى في الكنيسة المرقصية، وسقوط عشرات من القتلى المسيحيين، بالإضافة إلى ما يحدث في المنيا من أعمال قتل على الهوية، وهو صاحب المقولة الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، لافتًا إلى أنه تحمل تمرد الشباب القبطي على خلفية أنه يدعم الدولة بشكل غير عادي. وأشار إلى أنه على المستوى الكنسي زار دولا في الخارج، وافتتح العديد من الكنائس، والبابا كإنسان يتحمل آلام العمود الفقري، ولم يتمكن من الوقوف في عيد تجليسه، وجلس وهو يعاني آلاما شديدة، ورفض إجراء عملية في ألمانيا لأنها تستغرق وقتا قد يشغله عن أعماله الكنسية. واستطرد: تواضروس يمتاز بأنه يدير بشكل منهجي ومنظم، يحاسب المقصر، ومحب للجميع، لم يطلب من السيسي أن يستعجل بناء كنيسة واحدة، يعلي من شأن الوطن والمواطنة، ويعي أن مصر لا تتحمل فتنة طائفية يقدم مصلحة الوطن على أي شىء. واختتم حديثه بأن البابا كان يعي خلال فترة تجليسه أن المسؤولية كبيرة، وأن الوطن محاط بالجماعات الإرهابية، وظل على علاقة حميمة بمشيخة الأزهر. يقول الدكتور كمال زاخر، المتخصص في الشأن القبطي، إن الفترة التي مرت على تجليس البابا انتقالية بطبيعتها، لا سيما أنه جاء بعد شخصية تاريخية، التي تتمثل في البابا شنودة، كما أن الظروف التي يتحمل فيها المسؤولية مختلفة، مشيرًا إلى أن تواضروس واجه تحديات لم تكن موجودة سواء على المستوى الدولي أوالإقليمي والمحلي. وأوضح في تصريحاته ل"التحرير"، أن ثورة الاتصالات والمعلومات انعكست على صلاحيات الرجل الذي تولى هذا المكان الهام، ولا بد أن يقرأ الجميع ما صنعه هذا الرجل، في ظل هذه المتغيرات، حيث إنه واجه حملة شرسة تستهدف السيطرة عليه، فأغلب القيادات أقدم منه، وكانوا أكثر قربا للبابا الراحل، وبعضهم كان لديه تصور أنه الأفضل لهذا المنصب. وأشار إلى أن تواضروس قادم من محافظة نائية بعيدة عن المركز، وكان بعيدا عن الصراع في الكنيسة، وهو ما أثر على تعاطيه للملفات المختلفة التي كان معظمها ساخنا، لافتًا إلى أنه تحمل المسؤولية والبلد يشهد حراكا سياسيا غير متوقع، ولم يمر عام على توليه المسؤولية وجاءت 30 يونيو التي وجد الأقباط فيها طوق إنقاذ بعد أن كانوا محل استهداف من الإخوان وتيار الإسلام السياسي. وقال إن تواضروس يحمل رصيدا كبيرا من الخبرة حصل عليه نتيجة تلمذته على يد الأنبا باخميوس، المشهود له أنه استطاع أن يحافظ على تماسك الكنيسة في فترة صعبة، حيث إن باخميوس لديه خبرة في التعامل مع الدولة، وكان واحدا من اللجنة الخماسية عقب الصدام بين السادات والبابا شنودة، مستمرًا أكثر من 5 سنوات في تلك اللجنة، واكتسب تواضروس منه كيف يتعامل مع جهاز الدولة. واستطرد: "البابا الجديد حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بريطانية، وامتلك خبرة كيف يواجه الأزمات الإدارية، حيث وضع لوائح منظمة الرهبنة ومجمع الأساقفة وخدمة الشمامسة، وفي السنة الأولى من تجليسه حاول أن يحرك الاختلالات الموجودة في المنظومة، وواجه حملات من لجان إلكترونية موجهة بهدف تعويق محاولات البابا الجديد لضبط محاور داخلية في الكنيسة". وأنهى حديثه قائلًا: "في أول عامين حاول تواضروس إحداث تغيير بشكل سريع لكنه واجه مجموعة الراديكالية داخل الكنيسة، كما اهتم بالتعليم، وإعادة هيكلة الكلية الإكليريكية التي تعد من أقدم الكليات في العالم، لكن المعركة الحقيقية للبابا لم تأت بعد".