الأب شهيد والابن معتقل والنساء اصطحبن أولادهن هربا من براثن الحرب، وبعضهن متقدمات في السن غير قادرات على العمل، ورغم ذلك تبدي النساء السوريات اللاجئات رغبتهن في العمل لإعالة أسرهن، لكن لا أحد يقبل بتوظيفهن، لذا تعيش تلك العائلات على معونات الجمعيات الحكومية أو الأهلية أو الدولية، ومنهن من تتسلم مساعدات مادية من إخوانهن السوريين، لكن ارتفاع تكاليف المعيشة في مصر خلال السنة الأخيرة دفع بعض اللاجئات إلى النزول إلى الشارع للتسول لإطعام أطفالهن. لا تتعجب إذا مررت من أمام «لوكاندات»شارع كلوت بيك بمنطقة رمسيس، ووجدت أكثر من 100 طفل، يرتدون ملابس ذات ألوان مبهرجة وقطع حلى غريبة، أطفال يتمتعون بأعين خضراء وزرقاء وشعر أصفر، كما لو كانوا قادمين من الريف الأوروبي، لكنهم يمارسون التسول والشحاتة بشوارع وسط البلد والأماكن المجاورة. على الرغم من لهجاتهم الغريبة فإن الأطفال السوريين قد اكتسبوا اللهجة المصرية بسرعة كبيرة، ولاختلاطهم بأطفال الشوارع، ليصبحوا بعد ذلك أكثر قدرة منهم فى نطق الألفاظ الشعبية. "نضال" فتاة هربت من ويلات الحروب في الجنوب السوري، اضطرت إلى التسول بوجهها الملائكي من المارة والعابرين بالشارع، وأكدت نضال أن سبب رفضها الإفصاح عن بياناتها الحقيقية هو الخوف من إلقاء القبض عليها، ويرفض الجميع وجودهم، لأن اسمهم يؤكد هويتهم. وأشارت الفتاة السورية إلى أنها ترفض ما يحدث فى بلادها من قتل الأبرياء والأطفال وكبار السن، لكن لا يعنيهم كثيرا الحديث فى السياسة خلال وجودهم في القاهرة، لافتة إلى أن همها وأخريات هو البحث عن لقمة العيش، كما كشفت عن أنها وأصدقاء لها سوريات يتجولن فى عدد من المحافظات المصرية وأهمها محافظة الشرقية، التى يتمركز جزء كبير منهم فيها، لأنه مكان آمن، ثم تليها محافظتا البحيرة وكفر الشيخ.. تقول نضال إنها وجدت فى مصر منذ شهرين فقط وحضرت مع عدد كبير من أسرتها، عددهم 15 فردا، لتنضم إلى بقية عائلتها الكبيرة في مصر التي سبقتهم للرحيل منذ سنوات وعددهم 10 أفراد. مضيفة: «نحن نعمل منذ الصباح الباكر فى شوارع القاهرة لبيع المنتجات البسيطة التى لا يزيد ثمنها على جنيه أو نعمل "على باب الله"، ونحن لا نعلم أى شيء عن التعليم، ولا يتم تعليمنا فى مدارس بعينها ولا نهتم بذلك لأننا من الممكن بشكل مفاجئ أن نسافر إلى خارج القاهرة أو إلى سوريا حسب ظروفنا». داخل "لوكاندة التجارية" يوجد أكثر من مئة طفل متفاوتى الأعمار وجميعهم أسرة واحدة، و«نأكل مع بعض ومن أهم طقوسنا ارتداء الأزياء ذات الألوان المبهرجة ووضع الماكياج على وجوه الفتيات والعمل فى الشارع ونحصل فى اليوم الواحد على 30 جنيها لكل طفل».. هكذا أوضحت الفتاة السورية. أما "عمار" فهو أحد السوريين العاملين في اللوكاندة سرد قصته في عجل ليتمكن من اللحاق بعمله قائلا «أنا باعيش فى مصر منذ 3 سنوات، للأسف السلطات المصرية تمنع الزيارة داخل اللوكاندة فهى حياتنا ونحن أحرار بها وندفع أجرا ماليا مقابل العيش هنا». يضيف عمار أن الأطفال المقيمين هنا فقراء، يحتاجون إلى المساعدات، لأن معظمهم يعملون فى التسول وليس لهم مصدر رزق آخر، لكن قد تكون تلك المعونات مصحوبة بالعناء أو الترحيل الفورى، خاصة أن المسئولين السوريين وأصحاب مكاتب الإغاثة يطلبون منهم بياناتهم وهم يخافون من رصد بياناتهم فى أوراق رسمية، لأنه غير محبذ وجودهم. وتابع: «نرفض ذهاب أبنائنا إلى المدارس أو إلى أى مكان آخر بعيدا عنا، ونحن نوجد فى أماكن متفرقة فى مصر ونسافر فى شكل أفواج خارج القاهرة كل ثلاثة أشهر يحضر فوج منا ويخرج فوج آخر ولا نثق بأحد ونؤكد أننا غجر، ونحن لدينا أطفال كثيرون لأننا نحبذ الإنجاب بكثرة فأنا لدى من الأبناء 10 وجميعهم يعملون فى الشارع وجميع البيانات الخاصة بنا يعلمها جيدا قسم الشرطة». بأمر الغجر لوكاندة سورية الجنسية أكد "أيهاب محمد " صاحب لوكاندة "الإسبلنديد" أنها مفتوحة أمام السوريين منذ أربع سنوات أو أكثر لاستقبال العائلات السورية فقط، وهم من طلبوا منه الاحتفاظ بتلك الخصوصية مقابل عائد مادى بسيط، وهو 50 جنيها فى الشهر للغرفة الواحدة دون مأكل وكل غرفة يوجد بها أسرة مكونة من 10 أفراد سوريين. ووصفهم: «بأنهم يخافون على أنفسهم من أن يعلم أحد جنسيتهم خوفا على حياتهم أو اضطهادهم من البعض، حيث يزعمون أن هناك مطاردات تسعى خلفهم داخل مصر، رغم عدم تعرضهم لأى ضرر حتى الآن، لكن الأطفال فقط مصرح لهم بأن يطلقوا على أنفسهم سوريين من أجل التسول فهم يعيشون منه، بل وينفقون أيضا على أسرهم من خلاله، بالإضافة إلى المعونات أو التبرعات التى تحضر إليهم من الخارج من الشخصيات النسائية غير المعلومة المصدر، لأن معظم الموجودين فى اللوكاندة نساء فقط وقليل من الرجال والشباب تتراوح أعمارهم بين سن ال15 عاما إلى 40 عاما». طقوس سورية فى النوم داخل لوكاندة "مفتاح الفرج" قال أحد العاملين فى المكان إن سعر الغرفة فى العادى بعيدا عن السوريين 25 جنيها فى الليلة، وأن أجر السرير الواحد 15 جنيها فى الليلة، لكن كل الغرف مشغولة فى الوقت الحالى، لافتا إلى أن العائلات السورية تستأجر المكان بالكامل، بالإضافة إلى أنهم يرفضون النوم على أسرّة، فهم يخرجون كل محتويات الغرفة ويجلسون على الأرض. واستكمل العامل «نحن لا نتدخل فى ذلك فالسوريون يعيشون كما يريدون طالما لا يتأخرون فى سداد الإيجار ونعلم أن لهم تنقلات متعددة داخل مصر فكان مقرهم الرئيسى قبل ذلك فى كفر عثمان تحت مسمى "غجر سوريا"». وتابع: "هؤلاء سوريون ينكرون جنسيتهم أمام الغرباء فقط، واللوكاندة أصبحت لهم هم فقط، بل ويرفضون حضور أى شخص آخر إلى المكان لأنهم يحضرون ويعيشون شهورا ويرحلون ثم يعودون، وعندما نسألهم من أين جاءوا يقولون إنهم يسافرون إلى سوريا والأردن، وفى أغلب الأحوال لا نفهم لهجاتهم لأنهم يتحدثون بأكثر من لغة ويتردد على المكان أكثر من 150 سيدة ورجلا منهم". ويقول طارق "سوري" "إن كثيرا من الأسر السورية يأتون إلى مصر ولا يعلمون ماذا يفعلون وليس لديهم أموال، ولذلك يذهبون إلى المحافظات بحثا عن المساعدات، وهناك من ذهب للقرى وقام الأهالي بتجميع الأموال وفتح محل له، لافتا إلى أن من يصل إلى محافظة يتصل بمعارفه لينصحهم بالذهاب إليها إذا كانت أفضل. وكشف السوري أن السوريين الذين يقصدون البرلس يبحثون عن الهجرة غير الشرعية عن طريق المراكب، وقد كان هناك من يساعدهم في ذلك بالفعل، سواء كان سوريا أو من المصريين وهناك عدد من السماسرة الذين يتفقون مع السوريين من أجل ذلك، بمقابل حوالي 2000 دولار، ولذلك فالسوريون الذين يذهبون لتلك المناطق يكون هدفهم الأول والأخير الهجرة، وخصوصا أنهم يأتون إلى مصر وليس معهم الأموال التي تتيح لهم افتتاح مشروعات مثل الآخرين، منوها بأن هناك سوريين غرقوا ومن ألقى القبض عليه، وآخرون وصلوا إلى إيطاليا. يتحدثون 5 لهجات أكد سكان وأصحاب المحلات المجاورة للوكاندة، أنهم تعودوا على رؤية هؤلاء الأطفال والنساء تحديدا بشكل يومى يخرجون من الصباح الباكر حاملين على ظهورهم أكياسا لا يعلمون ما بها، ويتزينون بالملابس المزركشة ذات الألوان اللافتة والإكسسوار ولا يعودون إلا فى نهاية اليوم ولا يعلمون من أين تبدأ رحلتهم، وما يجعلهم غامضين أكثر أنهم يتحدثون أكثر من 5 لهجات.