أطل علينا الأستاذ حمام في عدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات الكوميدية التي ساهمت جميعها فى تكوين رؤية واضحة عن الممثل القدير "نجيب الريحانى، فهو الفنان صاحب الدم الخفيف وأحد رواد الفن الساخر فى مصر، فطالما سخر الريحاني من الحياة التي يعيشها فى أفلامه دون أن ينتقص من المجتمع، فردت عليه الحياة وسخرت منه كما سخر منها. ولد "نجيب إلياس ريحانة" في 21 يناير عام 1889 لأب مسيحي عراقى الأصل، وعاش في حي باب الشعرية، وهو أحد الأحياء الشعبية الشهيرة في مصر، والذي أثر بشكل كبير في شخصية الريحانى، فاكتسب منه خبرات كثيرة، وعاشر فيه طوائف متنوعة من الشعب ساهمت في تشكيل تفكيره الذي يسخر من كل شيء حوله دون استهزاء. وعلى الرغم من أن "نجيب الريحاني" ظهر في معظم أعماله بوجه عبوس متهكم؛ إلا أنه شكّل الجانب الإيجابي الصحيح من السخرية، وكأنه أراد أن يقول "الفنان الكوميدي ليس من يظهر على الشاشة ضاحكًا؛ وإنما من يستطيع إضحاك الآخرين حتى وإن كان هو عابسًا"، وهو الدور الذي نجح الريحاني في تجسيده بسهولة وإتقان.
وفي حين يعتقد كثيرون أن الريحاني شخصية متفتحة اجتماعية كوميدية؛ إلا أنه كان شخصًا انطوائيًّا تقليديًّا وخجولًا كذلك، وربما كان لمدرسة "الفرير" الابتدائية الفرنسية دور كبير في تشكيل هذه الشخصية الخجولة للريحانى؛ حيث لم تظهر عليه بوادر السخرية إلا بعد حصوله على البكالوريا، فربما كان لاندماجه في الحياة أكثر وخروجه من مرحلة الطفولة دورًا كبيرًا فى ظهور شخصيته الكوميدية الساخرة التي ظل يخبئها لسنوات، والتي اكتسب بعضًا منها من والدته التي كانت تتميز أيضًا بالمرح وخفة الظل.
عمل الريحاني في بداية حياته بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر في نجع حمادي؛ إلا أنه سخر من هذه الوظيفة التي اعتبرها بسيطة جدًّا ولا تكفي طموحاته على الرغم من أنه كان يتقاضى 6 جنيهات شهريًّا، وهو مبلغ مناسب في ذلك الوقت؛ إلا أنه كان يتطلع إلى وظيفة أخرى تشبع رغباته حتى دخل عالم الفن من شارع عماد الدين؛ حيث اشترك في فرقة مسرحية بأحد الملاهي الليلية، وأصبح التمثيل شغله الشاغل في هذه الحياة.
تزوج الريحاني من الراقصة السورية الشهيرة "بديعة مصابني"؛ وانفصل عنها بسبب غيرته الشديدة عليها، كما أنها كانت ترى في الزواج من الريحاني عائقًا أمام نجاح مشوارها الفني، وأعاد تكرار محاولة الزواج مرة أخرى من الألمانية "لوسي دي فرناي" وأنجب منها ابنته "جينا" التي نسبت لرجل آخر حيث كان هتلر يمنع الزواج من غير الألمان، وهكذا عاش الريحاني حياة متناقضة يسخر منها تارة في أفلامه وتسخر هي الأخرى منه تارة أخرى.
قدم الريحاني في مشواره الفني عددًا من المسرحيات والأفلام السينمائية التي كانت الأبرز على الإطلاق وقتها مثل فيلم "سي عمر"، و"لعبة الست"، و"سلامة في خير"، و"أحمر شفايف"، و"غزل البنات" الذي قدمه مع الفنانة الراحلة "ليلى مراد" و"أنور وجدي" و"محمود المليجي" وغيرهم.
وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين بأن الريحاني كان يعيش حياة مترفة لا ينغص حياته شيء؛ إلا أنه أصيب بمرض التيفود الذي كان سببًا في وفاته في 8 يونيو عام 1949 بعدما أعطته الممرضة جرعة زائدة من الدواء، وتوفي قبل عرض فيلم "غزل البنات"، الذى كان الأخير فى مشواره الفنى، واحتل المركز السابع في قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية.
وبعد ساعات من رحيل "الريحاني" قام أحد الصحفيين بمجلة "آخر ساعة" بجولة داخل شقته بعمارة الإيموبليا، فوجد فيها 44 بدلة، و20 بيجامة وجلبابًا، و15 حذاء، بالإضافة لكلبته الوفية "ريتا"، والتي امتنعت عن الطعام حزنًا عليه فتوفيت بعده بيومين.
وكان المثير للإعجاب والتعجب في الوقت نفسه داخل شقة "الريحاني"، العثور على مصحف وإنجيل وصورة للقديسة سانت تريزا التي كان يتخذها شفيعة له، وكتاب حسن البيان في تفسير مفردات القرآن، وألفية ابن مالك، وبعض مسرحيات وروايات لشكسبير.