«اللى اتغير فى حياتى خلال 6 شهور، بعد ما كنا بناكل أنا وأسرتى أكل بنى آدمين بقينا ناكل أكل قطط وكلاب».. هكذا تقول منى عزوز، ربة منزل. وتضيف منى: تحولت من شراء الفراخ إلى شراء هياكل وأرجل الدجاج، باعمل عليها شوربة تدّى طعم للأكل، كنت فاكرة إنى أنا بس اللى باعمل كده، لأن الهياكل دى معروف إن الناس المقتدرة بتشتريها طعام لكلابها، بس اكتشفت إن فيه ناس كتير زيى بدّلوا اللحوم والفراخ بعظمها». «بقيت لما أروح أشتريها ألاقيها خلصت والفرارجى يقولى لازم تحجزى قبلها بيوم، لأنها بتخلص قبل ما تيجى، على الرغم من أن سعرها زاد من 8 جنيهات قبل التعويم إلى 12 جنيها بعد التعويم» تقول منى. ومنذ ستة أشهر، قرر البنك المركزى التخلى عن نظام التعويم المدار الذى كان يتبناه خلال السنوات الماضية، والذى يتدخل بموجبه فى السوق من خلال تحديد أسعار استرشادية لصرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، إلى نظام التعويم الحر، حيث يترك سعره يتحدد بناء على العرض والطلب على العملات. ولجأ البنك المركزى إلى هذه الخطوة للقضاء على السوق السوداء للعملة الأجنبية، بعد أن تجاوز سعر الدولار فى السوق الموازية 18 جنيها بفارق نحو تسعة جنيهات عن السعر الرسمى فى البنوك والبالغ 8.80 جنيه. وساهم تخلى مصر عن ربط عملتها بالدولار فى تأمين قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولى لدعم برنامج إصلاح تضمن قيام الحكومة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة وخفض دعم الكهرباء وزيادة الرسوم الجمركية على الواردات، مما أدى إلى تغير النمط الاستهلاكى للمصريين وانخفاض الإقبال على شراء السلع، مما أدى إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادى. الحياة بعد التعويم «جحيم» «التعويم حوّل حياتنا إلى جحيم، فبينما تقفز أسعار السلع بشكل جنونى هناك ثبات كامل فى الأجور، رغم انخفاض قدرتها الشرائية بنحو 60%» كذا تقول بدرية محمد، معيدة بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية. تضيف بدرية «الحديث عن الأسعار أصبح هو القاسم المشترك لكل الأحداث الاجتماعية سعيدة كانت أو حزينة، لو رحت فرح أو مأتم تلاقى الحديث تحول تلقائيا عن جنون الأسعار اللى بنعيشه ده». وتشير إلى أنه على الرغم من استغنائها عن شراء الكثير من السلع فإن راتبها هى وزوجها لا يكفى سوى 20 يوما فى الشهر، تضطر بعدها إلى الاقتراض. «ننفق نحو 3000 آلاف جنيه شهريا للعيش على حد الكفاف، لا تشمل مصاريف العلاج أو المدارس ولا شراء الملابس، وفيما يتعلق ببند الترفيه فقد تم استبعاده إلى أجل غير مسمى» كما تقول بدرية. وتتابع: كل الأدوية سعرها تضاعف وكريمات الأطفال، حتى بامبرز طفلى اضطررت إلى أن أغير نوعه لآخر أقل جودة بسبب ارتفاع سعره إلى 130 جنيها للباكتة، وأصبحنا نلجأ إلى شراء أوراك الدجاج بدلا من شراء فرخة كاملة فى محاولة للتحايل على انفلات الأسعار مع استبعاد اللحوم بشكل نهائى. السوق السوداء ما زالت مستمرة فى الثالث من نوفمبر الماضى، أعلن البنك المركزى تعويم الجنيه بهدف القضاء على السوق السوداء للعملة، وإعادة النقد الأجنبى للتداول بشكل رسمى داخل البنوك والصرافات، إلا أنه بعد مرور 6 أشهر من التعويم، لم يفلح البنك المركزى فى القضاء على السوق السوداء للدولار، بسبب عجزه عن تلبية احتياجات كل العملاء من العملة الخضراء. قال ياسر، أحد تجار العملة ل«التحرير» إن الطلب على الدولار فى السوق السوداء ما زال مستمرا بسبب رفض البنوك بيع الدولار للعملاء، فضلا عن انخفاض سعر بيع الدولار فى السوق السوداء عنه فى البنوك، كما يعرض تجار العملة شراء الدولار بسعر أعلى من البنوك. وأضاف أن تعويم الجنيه نجح فى تقليص الفجوة بين سعر الدولار فى البنوك والسوق السوداء، إلا أنه لم ولن يستطيع القضاء عليها بشكل كامل، مشيرا إلى أن تعاملات السوق السوداء تقلصت بنحو 90% منذ تعويم الجنيه. وأشار إلى أن الفارق بين سعرى بيع وشراء العملة فى السوق السوداء ينخفض عن نظيره فى البنوك، حيث سجل سعر الدولار 18.15 جنيه للشراء، 18.20 جنيه للبيع فى تعاملات السوق السوداء، بينما تراوح سعره فى التعاملات الرسمية للبنوك بين 18.05 جنيه للشراء و18.15 جنيه للبيع. تعويم زائف للجنيه وأكد محمد سعيد، الخبير الاقتصادى، أن السوق السوداء للدولار لا يمكن القضاء عليها بشكل كامل فى ظل عجز البنوك عن توفير العملة الأجنبية. وأكد أن الخطوة التى اتخذها البنك المركزى بتحرير سعر الصرف لا يمكن أن يطلق عليها تعويم حقيقى للعملة، فالأمر لا يعدو كونه مجرد خفض لقيمة الجنيه أمام الدولار. وأضاف سعيد فى تصريحات ل«التحرير»، أن مفهوم التعويم يعنى تحرير سعر صرف العملة وتركه يتحدد وفقا لآليات العرض والطلب، بينما لا يوجد فى مصر طلب حقيقى على الدولار، حيث ترفض البنوك بيع الدولار للعملاء إلا بشروط معينة، وهو ما يتنافى مع فكرة تحرير سعر الصرف، مؤكدا أن أن البنك المركزى لجأ إلى ستار التعويم لخفض قيمة العملة بما يزيد على 50%. وأشار إلى أن البنك المركزى يتدخل بشكل غير مباشر من آن لآخر لضبط سعر الدولار فى السوق، موضحًا أن تحقيق التعويم بمفهومه الصحيح، يتطلب زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبى عن طريق زيادة الصادرات والسياحة، بحيث يمكن لأى مواطن شراء الدولار من البنوك وقتما يرغب ودون إبداء أى أسباب. التضخم فى أعلى مستوياته منذ الثمانينيات فى ديسمبر الماضى طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكومة بالمزيد من الجهد لضبط الأسعار، كما ناشد السيسى، رجال الأعمال والمستثمرين والشعب الوقوف إلى جانب بلدهم، قائلًا: «استحملوا 6 شهور بس، والأمور هتتحسن وهتبقى أفضل بكتير». وعلى الرغم من مرور خمسة أشهر على تصريحات السيسى فإنه حتى الآن لم تظهر أى بوادر لانخفاض الأسعار، حيث حققت معدلات التضخم السنوى خلال شهر مارس الماضى أعلى مستوى لها منذ عام 1986 ليصل إلى 32.5% مقابل 31.7% فى فبراير. «ماعنديش أمل إن الدنيا ممكن تتحسن دلوقتى أو بعدين، اللى أنا شايفاه إن الحاجة كل يوم بسعر ومافيش أى رقابة من الحكومة على الأسواق، سايبين التجار يتحكموا فينا». هكذا تحكى تريزا شحاتة، ربة منزل. وتضيف تريزا: «زوجى اضطر يصرف تحويشة عمره من عمله فى الكويت خلال عشر سنوات، فى أقل من 6 شهور على عملية زرع الكلى، والتى ارتفعت تكلفتها إلى 250 ألف جنيه بعد التعويم». وأشارت إلى أنه قبل إجراء عملية زرع الكلى كان زوجها، الذى يعمل عاملا باليومية، يدفع نحو 10 آلاف جنيه لعمل ثلاث جلسات غسيل كلوى فى الأسبوع. وتابعت: نجحت فى استصدار قرار علاج لزوجى على نفقة الدولة، بقيمة 11 ألف جنيه كل ثلاثة أشهور، فى حين يصرف زوجى نحو 5800 جنيه شهريا لشراء ثلاثة أنواع من الأدوية يتم تدبيرها من مساعدات الكنيسة وأهلى وأهل زوجى. وعزا المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، ارتفاع الأسعار، إلى زيادة نسب استيراد المحاصيل الرئيسية مثل القمح الذى نستورده بنسبة 50%، والذرة الذى نستورده بنسبة 90%، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود وأساليب نقل السلع التى تتكلف كثيرًا. وأشار خلال كلمته بمؤتمر الشباب فى الإسماعيلية إلى أن حل أزمة الأسعار يتمثل فى تكوين مخزون استراتيجى لمدة 6 أشهر، من اللحوم والدواجن والأسماك. الدَّين الخارجى يقفز 40 فى المئة أعلن البنك المركزى عن ارتفاع حجم الدين الخارجى للبلاد بنسبة 40% خلال النصف الأول من السنة المالية 2016-2017. وأشار البنك فى تقرير له، إلى أن الدين الخارجى ارتفع إلى 67.3 مليار دولار، مقارنة بنفس الفترة من عام 2015، عندما بلغ الدين الخارجى نحو 48 مليار دولار. أشار البنك إلى أن إجمالى الدين قصير الأجل المستحق على مصر وواجب السداد قبل نهاية ديسمبر 2017، يبلغ 11.9 مليار دولار. شبح الإفلاس يهدد الشركات تواجه عشرات الشركات شبح الإفلاس منذ تعويم الجنيه، حيث تطالب البنوك الشركات بسداد مديونياتها الدولارية بالسعر الجديد للدولار، رغم اقتراضهم هذه المبالغ قبل تحرير سعر الصرف وبسعر 8.80 جنيه للدولار. وتطالب الشركات البنك المركزى بالسماح لهم بسداد مديونياتهم بسعر 15 جنيها للدولار ويصل عدد الشركات المتضررة من أزمة فروق العملة فى الاعتمادات المستندية المفتوحة قبل تعويم الجنيه نحو 870 شركة. احتياطيات النقد الأجنبى عند أعلى مستوى منذ 2011 ارتفعت احتياطيات النقد الأجنبى بالبنك المركزى خلال مارس الماضى إلى 28 مليارا و526 مليون دولار، بما يتجاوز تغطية واردات 6 أشهر ويصل إلى ضعف المعدل العالمى الآمن، ويعد هذا أعلى مستوى يصل إليه احتياطى النقد الأجنبى بالبنك المركزى المصرى منذ مارس 2011. تدفق النقد الأجنبى على البنوك المحلية بلغ إجمالى التدفقات النقدية من العملات الأجنبية للقطاع المصرفى المصرى نحو ١٩.٢٢ مليار دولار أمريكى منذ إعلان تحرير سعر الصرف وفقا لبيانات البنك المركزى. 5 مليارات دولار من تلك التدفقات، جاءت من الاستثمار الأجنبى فى أدوات الدين المحلى، والبورصة، وفقا لنائب وزير المالية أحمد كوجك. احتياطى النقد الأجنبى قفز إلى 28.5 مليار دولار فى نهاية مارس الماضى، وهو أعلى مستوى له منذ مارس 2011. انخفاض العجز التجارى بنسبة 46% ارتفعت الصادرات المصرية خلال الربع الأول من 2017 إلى 5 مليارات و519 مليون دولار مقابل 4 مليارات و788 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2016 بزيادة نسبتها 15.3%. وفى المقابل انخفضت الواردات خلال تلك الفترة لتصل إلى 12 مليارا و110 ملايين دولار مقابل 17 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2016 بانخفاض نسبته 29% وتراجع العجز فى الميزان التجارى من 12 مليارا و260 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2016 إلى 66 مليارا و591 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجارى بفارق 5 مليارات و669 مليون دولار، بما يمثل 46.24% انخفاضا فى العجز فى الميزان التجارى.