بعد يوم واحد فقط، على إيداع محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار حمدى ياسين، حيثيات حكمها بإلغاء خصخصة شركة «طنطا للكتان والزيوت» وإعادتها إلى ملكية الدولة، أرسل المستثمر السعودى عبد الإله الكعكى، خطابا رسميا للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، أمس، مطالبا بوقف إجراءات تنفيذ الحكم، بعد الاستشكال الذى تقدم به فى المحكمة الإدارية العليا، التى بدورها حددت له جلسة فى الثلاثين من الشهر الجارى.
مصدر رفيع المستوى فى الشركة القابضة، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن شركته قررت عدم الطعن على الحكم من جانبها، لكنها أرسلت خطابا إلى مجلس الوزراء ووزارة قطاع الأعمال العام، التى تتبعها الشركة القابضة، تعلمهما بموقفها وتطرح أمامهما خيار الطعن من جانبهما على الحكم، الذى صدر ضد وزارة الاستثمار (التى حل محلها وزارة قطاع الأعمال بعد إلغائها)، وضد كل من وزارة المالية، ومجلس الوزراء، والشركة القابضة. لكنها لم تتلق أى رد من جانب الوزارة أو مجلس الوزراء حتى الآن.
كانت «طنطا للكتان والزيوت» قد بيعت وفقا لقرارات اللجنة العليا للخصخصة، ووفقا للقواعد التى وضعتها من قبل الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، إلى مجموعة شركات «الوادى لتصدير الحاصلات الزراعية» التى استحوذت على 30 بالمئة، وشركة «النوبارية لإنتاج البذور (نوباسيد)» التى استحوذت بدورها على 35 بالمئة، وشركة «النيل للاستثمار والتنمية السياحية والعقارية» التى حصلت على 25 بالمئة، وشركة «ناصر للاستثمارات الدولية» التى اشترت عشرة بالمئة من أسهم الشركة.
فى الوقت الذى قررت فيه المحكمة الإدارية العليا تأجيل الفصل فى الطعن ضد حكم القضاء الإدارى الصادر ببطلان بيع عمر أفندى للقنبيط إلى جلسة 19 أكتوبر القادم، أودعت محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار حمدى ياسين، أول من أمس السبت، حيثيات حكمها الصادر ببطلان خصخصة شركات «المراجل البخارية»، و«طنطا للكتان»، و«غزل شبين» وعودتها إلى الدولة مطهرة من أى ديون أو رهون.
المحكمة ذكرت فى حيثياتها أن الخصخصة فى ذاتها ليست شرا يجب مقاومته، وإنما الشر كله فى الفساد الذى شاب عملية الخصخصة سواء من القائمين عليها أو من بعض المستثمرين المتلاعبين، مشددة على أن الخصخصة التى طبقتها الحكومة المصرية قامت على الإذعان لبيع القطاع العام بشروط المؤسسات الدولية لإعطاء القروض والتسهيلات الجديدة والسماح بإعادة الجدولة لبعض الديون الخارجية سعيا نحو تصفية القطاع العام لتدمير اقتصاد الوطن، وهو ما طبقته الحكومة فى برنامجها عام 1991 بإعلان جمهورى فى خطاب رئيس الجمهورية السابق بمناسبة الاحتفال بعيد العمال فى الأول من مايو 1991بأن (الحكومة سوف تتبنى الخصخصة كسياسة رسمية بهدف خلق اقتصاد أكثر حرية)، وعلى أثر ذلك تم إنشاء مكتب قطاع الأعمال العام فى 1992 بموجب اتفاقية بين برنامج التنمية للأمم المتحدة UNDP والحكومة المصرية للإشراف على برنامج الخصخصة ومتابعة تنفيذه.
المحكمة شددت على أن الإرادة الأجنبية فى إخضاع السيادة المصرية لسياسات الخصخصة، اتضحت فى تقرير أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة فى 1991 دعت فيه مباشرة إلى التخلى عن الملكية العامة، حيثيات المحكمة رصدت مظاهر التفريط فى المال العام فقد سمحت، حسب المحكمة، قواعد التقييم للمستثمر المشترى بتصفية جانب من العمالة بناء على رغبته المطلقة وتحديده لما سمته القواعد بالعمالة الزائدة، وتحمل الشركة القابضة لتكلفة المعاش المبكر لتلك العمالة الزائدة على الاتفاق مع المشترى على الاحتفاظ بالعمالة الموظفة عند الشراء، وخصم تلك التكلفة من ثمن الشراء المتفق عليه. إضافة إلى أن قواعد التقييم خولت الجمعيات العامة لشركات قطاع الأعمال العام برئاسة وزير الاستثمار حق الموافقة على ثمن بيع الشركات (يقل عن القيمة الدفترية) بداعى المصلحة التى تقدرها تلك الجمعيات العامة، وهو ما أطلق العنان للشركات القابضة بجمعياتها العامة لبيع الشركات التابعة، وهى من الأموال المملوكة للدولة بسعر غير مقيد بحد أدنى. المحكمة أكدت أن برنامج الخصخصة كان أقرب ما يكون إلى استهلاك رصيد الأصول الذى بنته الأجيال والحكومات السابقة لصالح تمويل الإنفاق الجارى للحكومة لتغطية عجزها عن توفير التمويل الضرورى لهذا الإنفاق، خصوصا بسبب التهرب الضريبى لرجال الأعمال.