الكاتب الذى يخاف عليه أن يعتكف فى منزله.. والدين الذى لا يعترف بالبحث ناقص بعد كتابه الأول «جنة الإخوان.. رحلة الخروج من الجماعة»، الذى حقق نجاحًا كبيرًا، وصدرت منه طبعتان عن دار «التنوير»، صدر لسامح فايز روايته الأولى «جُحر السبع» عن دار «سما»، يحكى فيها عن شاب منشق من جماعة دينية، ويحاول فى الرواية أن يكشف عن الجانب الإنسانى والفكرى لشاب منتمٍ إلى إحدى هذه الجماعات الدينية. الكاتب الشاب سامح فايز يحكى فى حواره عن تجربته الروائية الأولى، وسبب اختياره الكتابة عن شاب منشق عن جماعة دينية، والجرأة فى تناوله أفكار الشاب بعد إلحاده. ■ ألا ترى أن وصف «رواية واقعية» قد يضر بالنص؟ - كنت معترضًا على أن يكتب على غلاف الرواية أنها رواية واقعية، وأرى أى كاتب يقوم بكتابة هذه العبارة، أنه يتحايل على القارئ ليجذبه لقراءة ما كتبه، لأن العمل الجيد سيفرض نفسه دون أى عوامل أخرى تؤدى إلى ذلك، حتى إن لى صديقًا روائيًّا يرفض أن يكتب روائى آخر مقدمة أو إهداء لعمله، لكن فى حالتى كانت هذه رغبة الناشر. ■ قلت إن «جحر السبع» الجزء الثانى من «جنة الإخوان».. ألم تخش أن يعتبر البعض هذا استغلالاً لنجاح الكتاب الأول؟ - هناك خط مشترك بين العملين، رغم الاختلافات بين العملين، ففى الكتاب الأول أرى نفسى بوضوح داخل العمل، أما فى العمل الثانى يوسف ليس شخصى على الإطلاق. وأيضًا كان الهدف من كتابة رواية هو الهروب من دائرة الكتّاب المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين، وحتى إنى وقتما كتبت «جنة الإخوان» لم يكن الهدف منه الحديث عن الجماعة فقط، بل عن الشخص المنشق بشكل إنسانى، إلا أن الظروف السياسية ظلمت هذا الكتاب كثيرًا، بجانب كَرِه الكثيرون كتابات المنشقين. ■ لماذا اخترت أن يكون اسم الرواية «جحر السبع»، رغم أن المكان ليس بطلًا للرواية؟ - فى الحقيقة لم أختر هذا الاسم، بل اختاره الروائى هشام علوان، بعد أن قرأ النص كمسودة، ورأى أن المكان موجود بقوة، وأن الشخصيات متأثرون بهذا المكان بشكل من الأشكال، واحترمت اختياره ووافقت عليه. وكنت سأختار فى البداية للرواية عنوانًا آخر هو «جنة الحرام»، لكن رغبةً منى فى الابتعاد عن كتابى الأول قدر الإمكان وافقت على اختيار هشام علوان. ■ لماذا لجأت إلى الراوى العليم رغم أن أغلب أحداث الرواية جاءت على لسان «يوسف» بطل الرواية؟ - رواية جحر السبع تعتبر شائكة إلى حد كبير، وبها أفكار ضد الأفكار الشائعة بالمجتمع كمسلمين ومصريين، كما أن القارئ العربى لديه مشكلة، وهى إسقاط أحداث الرواية على كاتبها، فلجأت إلى الراوى تخوفًا من هذه المسألة، وبالتحديد فى الجوانب الشائكة فى الرواية. ■ ولماذا لم تكتب النص كسيرة، خصوصًا أنه يبدو أقرب إلى هذا التصنيف؟ - «جحر السبع» ليست سيرة، فالنص لا يحكى طوال الوقت عن شخص واحد، هى فى النهاية رواية، وأيضًا ليست جميع الأحداث الواردة بها حقيقية رغم تصنيفها على أنها رواية واقعية. أغلب الشخصيات بالرواية حقيقية، خصوصًا الشخصيات الأساسية، لكن هذا لا يعنى أبدًا أنها سيرة، خصوصًا أن هناك أجزاءً كاملة من الرواية من نسج الخيال. ■ فى أجزاء كثيرة بالرواية يبدو صوتك ككاتب واضحًا وتسرب أفكارك من خلال «يوسف».. وهل فكرت فى اتهامك بالافتعال خلال الكتابة؟ - أغلب القراء الذين اتصلوا بى ليخبرونى برأيهم، أثنوا على بساطة الرواية وسهولتها، ويمكن اعتبارها سهلًا ممتنعًا، لكنى تعمدت الابتعاد عن الكلام المعقد الذى يستخدمه كثير من الكتاب، لأنى لا أحبه أبدًا. أما عن الأفكار بالرواية، فهى أفكار يوسف لا أفكارى، وأرى أن جميع هذه الأفكار متناسقة مع بعضها البعض، وأن يحملها شخص واحد، هو أمر طبيعى. ■ فى أجزاء من الرواية كتبت صراحةً عن الإلحاد وانتقاد الأديان.. ألم تخف من اتهامك بازدراء الأديان التى وجهت لكتاب آخرين من قبل؟ - لا يمكن لكاتب أن يخاف مما يكتبه. نوال السعداوى لها جملة أعجبتنى كثيرًا، «الإبداع كالثورة، إما كل شىء أو لا شىء»، والكاتب الذى يخاف فالأفضل له أن يعتزل الكتابة، ويعتكف فى منزله، وأيضًا لا يمكن أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، هناك واقع، أن عدد الملحدين فى مصر زاد كثيرًا خلال السنوات الأخيرة. الخطورة ليست فى مسألة الإلحاد، بل فى أنه أصبح رد فعل لجهل رجال الدين، وكره هذا الشاب المجتمع المغلق، إلا أنى فى الرواية أبرزت المثالين، الملحد عن وعى، وهو الدكتور أحمد جمال، وأيضًا الملحد، لكرهه رجال الدين، والجماعات الدينية. ■ وماذا عن رأيك فى اتهام الكتاب بازدراء الأديان؟ - ازدراء الأديان تهمة سخيفة، فالازدراء هو إهانة الدين، ولو نظرنا إلى الواقع، فالشيوخ هم الآن من يهينون الدين أكثر من أى شخص آخر، إلا أنى ضد التهمة بالأساس، فالدين الذى لا يسمح بالسؤال لا حاجة إليه، والدين الذى لا يعترف بالبحث دين ناقص، لكن رجال الدين هم المسؤولون بشكل أساسى عن منع الأسئلة المتعلقة بالدين، ولا أرى فيهم سوى مرضى نفسيين ومتخلفين. ■ مررت على الثورة فى سطر واحد فقط، فلماذا هذا المرور السريع على حدث بهذه الأهمية؟ - الرواية غير مكتوبة عن الثورة، وسيكون من الظلم للرواية أن أكتب عن الثورة أربع صفحات وأقحمها بالأحداث، رغم عدم وجود علاقة لها بأحداث الرواية، كما أن كتابة رواية واحدة عن الثورة أرى فيه ظلمًا للثورة، وأحداثها الكثيرة المتداخلة، وبعد الثورة ظهرت أعمال كثيرة تتناول أحداثها، قليل منها فقط الذى أعجبنى، والباقى أشعر أنه ظلم ثورة يناير، لذلك فضلت أن أمر مرور الكرام. ■ وهل تفكر فى كتابة نص أدبى عن الثورة؟ - بالفعل أكتب رواية حاليًّا عن الثورة، لكن ليس عن أحداث الثورة، لأنى قلت لك منذ قليل إن رواية واحدة عن الثورة ظلم لها، لكن سأتناول فى الرواية ثورة الطلبة، خلال مئة عام. وهذا له علاقة باهتمامى بالتاريخ بشكل عام، لأن من خلال التاريخ يمكن لنا فهم الحاضر، والتنبؤ بالمستقبل. التاريخ أيضًا يكشف عن مواقف تكررت كما هى، منها خروج السادات خلال مظاهرات الطلبة عام 1972، ووصفه للاعتصام أنه «ولاد على بنات بيشربوا مخدرات، وفيه قلة أدب»، وهذا ما قيل بالحرف وقت اعتصام يناير، والاعتصامات التى تلته. وأيضًا مشكلة الدستور التى عشناها الفترة الماضية، حدثت بعد ثورة 1919، وانشغل المصريون لمدة ثلاث سنوات بكتابة الدستور، وتحوّل سعد زغلول من رجل ثورى، إلى سياسى يسعى لكتابة الدستور، إلا أن عدم قراءة التاريخ يجعلنا نكرر نفس الأخطاء دون النظر إلى أخطائنا الماضية. ولذلك فبالعض يردد أن الإخوان لأول مرة يخونون الثورة، وهذا غير حقيقى، فالإخوان خانوا الثورة أيضًا عام 1946، وقت ثورة الطلبة ضد الاستعمار، طلبة الإخوان انضموا إلى طلبة القوى الثورية، وشُكلت لجنة ونجح فى انتخابات اللجنة فتاة يسارية تدعى ثريا أدهم، إلا أن الإخوان رفضوا أن تترأسهم فتاة، وانسحبوا من اللجنة فى نفس اليوم، وأنشؤوا لجنة أخرى دعمت الملك. ■ انتهاء الرواية برحيل والدة البطل.. ألا تراها نهاية تقليدية، وغير مناسبة للأحداث السابقة لها؟ - النهاية رمزية إلى حد كبير، فالأم تمثل الحب والعاطفة التى تموت فى نهاية الرواية، والأب أيضًا يمثل الجماعة الدينية، ووفاته فى الفصل الأول له رمز ومعنى خاص بالبطل، كما أن الرواية نهايتها مفتوحة، ولم أحدد نهاية معينة للبطل.