"التنين" هو كائن أسطوري عبارة عن ثعبان مُجنَّح يطلق النيران أينما أراد؛ ويعتبره الصينيون رمزًا لهم ولبلادهم - حيث اتخذت عصابات المافيا أسلوبه في الانتشار والتحليق حيثما شاء؛ فلا يكاد يخلو مكان في العالم أو سوق سوداء إلا وتجد فيها امتداد لهذه العصابات. عشرات الآلاف من رجال المافيا الصينية يمتدون داخل بلادهم وخارجها من هونج كونج وحتى أمريكا، بل وفي الكثير من البلاد العربية والغربية، هذا ما تكشفه وسائل الإعلام بين كل حين وآخر حينما يقع بعض هؤلاء في قبضة العدالة، بعد سنوات وسنوات من نشاطاتهم في تزييف العملات والقتل العمد والسرقة والقرصنة وغيرها من الجرائم. أحدث حلقات المسلسل الصيني الدموي هذا - كان الحكم بالسجن على 67 صينيًا لفترات تصل إلى 20 عامًا، بسبب ضلوعهم في تشكيل عصابة مارست القمار والابتزاز وأعمال العنف، ولفتت وكالة شينخوا الصنية إلى أن شينج تشاو -زعيم العصابة- كان قد أطلق سراحه من السجن عام 2012 بعد أن قضى فترة بسبب هجوم عنيف، لكنه عاد مجددًا لحياة الإجرام في الصين. وأضافت الوكالة الصنية - أن عصابة شينج جمعت 20 مليون يوان- ما يقارب 2.9 مليون دولار- في الفترة من أكتوبر 2014 إلى أبريل 2015 عن طريق المقامرات السرية وتهديد وابتزاز المنافسين؛ في وقت تحظر فيه البلاد المقامرة، وخلص القضاء إلى أن الرجل قام بتشكيل عصابة على غرار المافيا واستخدم العنف ضد منافسيه وحوكم باقي أفرادها بأحكام تتراوح بين 5 سنوات و14 عامًا. لم تكن أنفاس التنين الصيني الملتهبة تحرق بلاده فقط، فالمافيا انتشر في دول الغرب، تقرير إيطالي كشف مؤخرًا عن سيطرة هذه العصابات على الاتجار بالبشر وتزييف العلامات؛ وقال تقرير لحكومة روما: إن "المافيا الصينية العاملة في إيطاليا تهدف إلى السيطرة على أسواق الهجرة غير المشروعة والدعارة وتجارة البضائع ذات العلامات التجارية المزيفة". "التقرير" أعده المجلس الوطني للعمل والاقتصاد، وخلص إلى أنه بين أعوام 2004 و2010 أي على مدار 6 سنوات، حرر 28,400 ألفًا محضر بتهمة الهجرة غير الشرعية أو تسهيلها، و1900 بتهمة الإكراه على الدعارة، و1350 محضر ضرب، و1060 محضر تزييف علامات تجارية، أما محاضر القتل والشروع فيه فقد وصلت إلى 181 محضر". وفي يناير 2012 كان للمافيا الصينية إطلالة ثانية في روما - حيث شككت العديد من المصادر الإعلامية الإيطالية في فرضية إقدام أحد المهاجرين المغاربة على الانتحار التي رجحتها المصالح الأمنية، وذلك بعد العثور على المهاجر المغربي محمد نصري (31 سنة) المتهم بتورطه في مقتل رضيعة صينية ووالدها مشنوقًا بأحد المناطق المهجورة الواقعة على أطراف المدينة". وذكرت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية وقتها - أن التفاصيل تجعل فرضية الانتقام قائمة، متسائلة كيف يمكن لشخص بمفرده أن يتمكن من شنق نفسه بحبل مربوط على علو 4 أمتار ثم أن المكان يستحيل الوصول إليه من دون السيارة وأن الهالك كان يلبس ملابس خفيفة صيفية رغم مناخ الشتاء السائد؟". ولفتت الصحيفة إلى أن اختيار المتهم الرئيسي في الجريمة البشعة التي عرفتها روما في الأيام القليلة الماضية - العمل على الحد بهذه الطريقة لحياته يطرح مجموعة التساؤلات". بل إن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية قد أشارت إلى فرضية "الانتقام" من المهاجر المغربي، خصوصًا وأنه كان معروفًا وسط الجالية الصينية بسوابقه، وهو ما قد يكون الاهتداء إليه أمرًا سهلًا، وربما حتى قبل المصالح الأمنية وأن العديد من سكان الحي الذي وقعت فيه الجريمة كانوا متأكدين من أن الجالية الصينية ستأخذ بثأرها. وفي أكتوبر 2012، وجهت الشرطة الإسبانية ضربة قوية للمافيا الصينية في عملية أطلق عليها اسم "عملية الإمبراطور"؛ حيث اعتقلت نحو 100 شخص أغلبهم صينيون، بتهم تتعلق بالتهريب والتهرب الضريبي وغسيل الأموال، و صادرت الشرطة مبالغ مالية تصل إلى 12 مليون يورو. وقبل سنوات - حذرَّت الصحف المغربية من المافيا الصينية، ضاربة بالمثال على "إصابة صيني بالرصاص أول أمس بالدار البيضاء"؛ وقالت صحيفة "الأحداث" المغربية: إن "أعضاء المافيا قدموا من دبي، وارتكبوا خطأ عندما عادوا إلى مرأب المركز التجاري المتواجد بشارع محمد السادس لأخذ وثائقهم والعودة من حيث أتوا، لكن الأمن سيلقي القبض عليهم". بينما ذكرت صحيفة "المساء" حينئذ مُحذرة أيضًا أن العصابات كانت وراء إصابة صيني بالرصاص، و أرادت أن تصفي حساباتها بالرصاص في البيضاء"، موضحة أن أعضاءها استعملوا دراجتين ناريتين في العملية إلا أن الشرطة ألقت القبض عليهم"، وفي يوليو 2015 أيد القضاء المغربي أحكام ابتدائية صادرة في حق شبكة إجرامية مشكلة من 6 صينيين، بإصدار أحكام بالإدانة بلغت في مجموعها 68 عامًا سجنًا نافذًا. "هونج كونج" القريبة من الصين حصلت على نصيبها من أنفاس التنين؛ ففي أكتوبر 2014 زادت المخاوف من تصاعد أعمال العنف في هونغ كونج بعد اشتباكات اندلعت بين أكثر من 1000 متظاهر يطالبون باعتماد الاقتراع العام المباشر الكامل لمنصب الحاكم في عام 2017، وموالين للحكومة الخاضعة لسلطة بكين وعناصر من المافيا الصينية التي تنشط في تهريب المخدرات والبغاء ما أسفر عن إصابة العشرات. وأعرب شهود عيان عن غضبهم وإحباطهم من طريقة تعامل الشرطة مع التظاهرات، واتهمها بعضهم بالتعاون مع العصابات الإجرامية وتسهيل مغادرة المهاجمين مواقع الاشتباكات بسرعة، فيما دانت منظمة العفو الدولية "عدم تدخّل عناصر الأمن، واكتفائهم بمراقبة المتظاهرين، ومعظمهم من الشبان العزل، يتعرّضون لهجمات حشدٍ معادٍ وملثمين يريدون كسر الحركة". لكن الشرطة نفت تحرّكها بالتفاهم مع مجموعات المافيا الصينية، وأعلنت اعتقال 19 شخصًا، بينهم 8 مشبوهين في ارتباطهم بالمافيا، ما دفع بكين إلى الإشادة ب"مهنية رجال الأمن وتطبيقهم إجراءات ضرورية ومعقولة ومعتدلة لا داعي للاحتجاج عليها من أجل فرض احترام القانون". وقبل 8 سنوات وتحت تزايد تفشي وباء المافيا بأراضيها، عملت الصين على إنشاء قسم جديد في الشرطة لمكافحة العنف المتزايد من جانب العصابات مع بدء تأثير الأزمة العالمية وتعطل الملايين عن العمل. وأعلنت في بيان لها وقتها أنها "تتابع عن كثب الجرائم الناجمة عن البطالة - في الوقت الذي يؤدي فيه تراجع الطلب من الخارج إلى إغلاق مصانع ولاسيما في الجنوب الذي كان مزدهرًا في الماضي، إنهم لا يتورعون عن فعل أي شيء، فالجرائم المرتبطة بالعصابات أصبحت تشكل تهديدًا لاستقرارنا الاجتماعي وللاقتصاد". ونقلت صحيفة "تشاينا ديلي" عن ليانج هوارين -استاذ القانون الجنائي الصيني- قوله: إن "التغييرات الاقتصادية والاجتماعية الضخمة التي تمر بها البلاد هي السبب وراء جرائم العصابات"، لافتًا إلى أن العدد الضخم من العمال والنازحين المسرحين بالإضافة إلى تزايد الهوة بين الأغنياء والفقراء من الأسباب أيضًا".