عادت صلاة الجمعة لتقام في جامع السلام، بعدما لم تؤد به الأسبوع الماضي، لأول مرة منذ إنشائه في سبعينيات القرن الماضي.. وقبل بدء شعائر الصلاة، كان الصباح كما هو المعتاد في أيام الجمعة، حيث خلى الطريق من الناس عدا العاملين ببعض المحلات التي فضلت أن تفتح أبوابها مبكرًا.. سكون لم يقطعه سوى ترتيل القرآن قبيل بدء الخطبة، لكن لم يكن هذا هو الحال نفسه منذ 7 أيام. ففي حينها، استيقط أهالي منطقة مدكور على دوي انفجار، قادم من ناحية شارع الهرم الرئيسي، حيث سارع عدد منهم ليجدوا أفراد الكمين الأمني، الذي يتمركز قبالة مسجد السلام، ملقين على أرض الطريق بين جريح وشهيد، فحاولوا تقديم المساعدة قدر الإمكان، فيما تقترب من بعيد أصوات سيارات الإسعاف. وفي خطبة اليوم، أكد إمام المسجد أن الإسلام يأمر بالوسطية والاعتدال، مكررًا حديث النبي (ص) بأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، منوهًا بأن القرآن لم يأمر بالقتال إلا في حال دفع الإيذاء، وإذا بادر الطرف الآخر بالتعدي، مشددًا على أن لفظ "الإرهاب" به لم يكن موجهًا إلا ل"أعداء الله"، وليس الآمنين من المسلمين وغيرهم، وأضاف أن من قال لا إله إلا الله حرم على المسلم دمه وعرضه وماله. وعلى بعد نحو 200 متر من الكمين السابق، تمركزت قوات الأمن بكثافة، حيث تواجدت سيارة شرطة إضافة إلى قوات لفض الشغب، كما انتشر عدد من رجال المباحث التابعين لقسم شرطة الطالبية، واللافت في الأمر أن موقع تلك القوات قبالة العقار الذي التقطت منه أولى صور الحادث. لم تكشف جهات التحقيق بعد تفاصيل الحادث، وإن تحدث شهود عيان عن روايات خاصة به، فيقولون إن 3 أشخاص يستقلون سيارة، قدموا إلى موقع الكمين في فجر يوم الحادث، ووضعوا "شنطة" ثم لاذوا بالفرار سريعًا، ذاكرين أن تلك "السيارة" جاءت من منطقة الطالبية، مرورًا بشارع خاتم المرسلين الموازي ل"الهرم" الرئيسي، ثم إلى طريق الهنيدي، وصولا إلى موقع الكمين، المعروف للجميع أنه يتمركز في هذا المكان كل يوم جمعة. وعلى طول جدران الطريق إلى الكمين، عبارات لعناصر داعمة للإخوان، والتي تسجل للفترة مابين 2013 و2015، عندما كانت تلك المنطقة أحد البؤر التي تخرج بها مظاهرات، وتشهد أعمال عنف وكر وفر بين الأمن والإخوان، ودائما ما كان يظهر في تلك المناسبات شباب أعمارهم لا تتعد الثامنة عشر سنة، يشعلون الشماريخ والألعاب النارية، حتى تأتي قوات الأمن، فيسارعون في الذوبان داخل الشوارع الجانبية. وفي يوم السبت التالي، شهدت "الطالبية"، والتي تتقاطع مع شارعي "الهرم وفيصل" الرئيسيين، تواجدًا أمنيا مكثفًا، ما يؤكد رواية الشهود حول أن منفذي العملية انطلقوا منها، وبالفعل أعلنت قوات الأمن، الثلاثاء الماضي، ضبط السيارة المستخدمة في تنفيذ الهجوم وبداخلها مواد متفجرة، في شارع العشرين في فيصل، القريب منها، إلا أن هذا الخبر ضاع في زحام التغطية الإعلامية للحادث الأليم الآخر "تفجير البطرسية". ففور وقوع التفجير الإرهابي، الذي استهدف الكنيسة البطرسية المتواجدة بمجمع الكاتدرائية المرقسية بحي العباسية، خرجت نظريات كثيرة حول المواد المستخدمة في التفجير، كما صرح أحد المصادر بمصلحة الطب الشرعي، لجريدة قومية، أنها نفسها المستخدمة في "تفجير الهرم". فيما كشف مصدر أمني، ل"التحرير"، أن القنبلة المستخدمة في "حادث الهرم" من النوع "المتشظية"، والتي يستخدم في إعدادها، إضافة إلى المواد المتفجرة، كميات من "بلي حديد والمسامير وغيرها من القطع الحديدة الصغيرة"، والتي يكون تأثيرها قاتل عن قرب، وهو ما أظهره فحص المكان، حيث لم تكن هناك آثار رماد كبيرة، ما يدل على أنها لم تكن بشحنة متفجرة كبيرة. وحسم الرئيس عبد الفتاح السيسي الحديث حول سيناريو التفجير بالنسبة ل"حادث البطرسية"، ذاكرًا أن المهاجم هو محمد محمود شفيق، وقد فجر نفسه باستخدام حزام ناسف، فيما سارعت حركة "حسم" الإرهابية الإخوانية، بإنكار صلتها بهذا الحادث، بعدما كانت قد تبنت الأول. عملية التفجير جاءت بعد ساعات من إلقاء الأمن القبض على أسامة ابن الرئيس المعزول محمد مرسي، أثناء تواجده في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث أنه أحد المتهمين في قضية فض رابعة العدوية، ما لا يمكن أخذه على أنه "مصادفة"، ويفتح تساؤلات كثيرة حول ما يسمى ب"تيار العنف" داخل الجماعة، والداعين له عبر أبواقهم في بلدان خارجية. وليس ببعيد عن موقع الكمين، وفي منطقة العمرانية، يقع منزل الملازم أول أحمد عز الدين سعد، أحد شهداء الحادث، المشهود له بحسن خلقه وتعامله مع المواطنين، بحسب ما ذكر جار له في العقار، كما روى والده أن الفقيد كان أحد ضباط قسم العمرانية، واعتاد أن يشارك في الكمائن التي تكون ضمن نطاق عمل القسم، وهو خريج كلية الشرطة دفعة 2015.