ناصر أمين: قانون فاسد وغير دستوري و"وينسف" استقلالية المجتمع المدني ويفرض القبضة الأمنية على المتبرعين حافظ أبو سعدة: شهادة وفاة للعمل الأهلي الخيري ويهدد آلاف المواطنين المنتفعين بالتشريد جمال عيد: يحول الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني إلى ما يشبه مكاتب إدارية تابعة للأمن الوطني ويقيد حرية العاملين في العمل الخيري بعد الضربة الأولى القاسية في قضية "التمويل الأجنبي" التي وجهتها الحكومة لعدد من رؤوساء الجمعيات الحقوقية البارزين واتهامات بتلقي منح وتمويلات خارجية توجه اليوم ضربتها الثانية في مقتل لأصحاب الجمعيات الأهلية وممثلي المجتمع المدني عبر قانون الجمعيات الأهلية الجديد. سريعا وافق مجلس النواب، في جلسته العامة مساء أول أمس الثلاثاء، بشكل نهائي وبموافقة ثلثي الأعضاء، على قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي أعدته لجنة التضامن الاجتماعي بالبرلمان برئاسة عبدالهادي القصبي، عضو المكتب السياسي ل"دعم مصر". وهو القانون الذي سبق أن واجه هجومًا عنيفًا من رؤوساء المنظمات الحقوقية وأصحاب الجمعيات الأهلية وممثلين عن المجتمع المدني والتف ع القانون السابق الذي قدمته وزارة التضامن الاجتماعي واقراره في وقت قياسي دون عرضه للحوار المجتمعي أو مناقشة أصحاب الشأن في تعديلاته قبل إقراره وكذلك دون نظر في تقرير مجلس الدولة على القانون بما يكفي لمناقشته وابداء التحفظات عليه . المفارقة هنا أنه بعد أن كانت وزارة التضامن الإجتماعي هي الجهة الحكومية الوحيدة المعنية ببحث أمر التمويل الخاص بالجمعيات الأهلية بنص القانون الجديد أصبح المسئول عن ذلك عدة جهات وليست جهة واحدة عبر تشكيل ما يعرف داخل القانون الجديد باللجنة التنسيقية المكونة من عدة جهات، منها وزارتي الخارجية والداخلية وجهازي المخابرات والأمن الوطني وغيرهم، وذلك للموافقة علي التمويل من عدمه . ورغم أن الدستور المصري ينص علي أن تأسيس الجمعيات الأهلية يكون بالإخطار، لكن الواقع في القانون أنه يتم الإلتفاف علي هذا المبدأ الأساسي، بعد أن منح الجهة الإدارية الجديدة حق الإعتراض علي التأسيس، وبالتالي فإن الظاهر هو أن تاسيس الجمعيات بالإخطار، لكن في جوهره هو إذن، من رئيس مجلس الوزراء والمحافظ المتخصصة بتنفيذ أي من أعمالها قبل البدء في التنفيذ. ويمنح القانون الجديد فرصة أمام الجمعيات والمؤسسات،لمدة عام لتوفيق أوضاعها مع بنود القانون الجديد، وإلا يتم حلها وتحويل أموالها إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية المنصوص عليه في القانون. كما يعطي القانون الحكومة وحدها سلطة تقرير من يحق له تأسيس جمعية أهلية وأهدافها من عدمه، ويلزم الجمعيات كذلك بالعمل وفقاً لخطط الدولة للتنمية واحتياجاتها، والأخطر من ذلك أنه يخضع قانون المنظمات المحلية والمؤسسات الأهلية والمسؤولين عنها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وإلزامهم بتقديم إقرار للذمة المالية كموظفي الحكومة، وهو ما يضع رقاب كافة العاملين والمتطوعين في خدمة المجتمع المدني تحت حكم قانون الكسب غير المشروع . ويتضمن القانون الحالي عقوبات شديدة تقيّد حرية عمل هذه المنظمات والجمعيات الأهلية وتفرض غرامات كبيرة تصل إلى مليون جنيه في حال مخالفة بعض نصوصه كما ورد في المادة 87 بخصوص الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجديد بالسجن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه في حال معاونة أو مشاركة منظمة أجنبية في ممارسة نشاط أهلي داخل مصر دون الحصول على تصريح، أو المشاركة في إجراء بحوث ميدانية أو استطلاعات رأي في مجال العمل اﻷهلي دون الحصول على موافقة مسبقة من قبل جهات المخابرات والأمن الوطني ووزارتي الداخلية والخارجية . إعلان وفاة العمل الأهلي في مصر ذلك القانون الذي يتكون من 89 مادة، حدد فيه المشرع آليات عمل وسبل تمويل الجمعيات الأهلية، وكذلك العقوبات ضد من يتجاوز القانون في تلقي التمويلات من الخارج، وكذلك أن يكون لدى الأمن الوطني علم عن طريقة انفاق تلك الأموال وهل تذهب فى مجالاتها الشرعية والمسموح بها أم تمول أنشطة أخرى غير قانونية، بحسب محمد ابو حامد، عضو مجلس النواب الذي أوضح أن الجمعية الأأهلية أو المنظمة الحقوقية التي ترفض بنود هذا المشروع عليها أن تعيد مراجعة أوراقها وأنشطتها التمويلية. فيما صب رؤوساء المنظمات الحقوقية وأعضاء المجتمع المدني جم غضبهم على ما وصفوه ب"شهادة إعلان وفاة العمل الأهلي في مصر"، خاصة أن القانون الجديد تم تمريره عبر البرلمان بأوامر وتعليمات وشروط الأجهزة الأمنية للقضاء على كل ما يمت للمجتمع المدني بصلة وتحويل منظماته وجمعياته إلى ما يشبه مكاتب إدارية تابعة للأمن الوطني. وهذا ما أكده المحامي الحقوي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان الذي أعلن رفضه القاطع للقانون الحالي، واكتفى بترديد هذه الكلمات الغاضبة: "ماليش نفس أتكلم في حاجة". بنص القانون الجديد يحظر على أي جمعية أو هيئة الحصول على تمويل يتجاوز 10 آلاف جنيه من دون الحصول على موافقة مسبقة، وإذا لم تُمنح هذه الموافقة خلال 60 يوماً من تقديم الطلب يعتبر مرفوضاً وهو ما يعتبره الحقوقي ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنيان نوعا من أنواع المساومة والإبتزاز المهين لهم . ويضيف، ليس من حق ذلك الجهاز أن يتدخل في تحديد المتبرعين، ومن ثم السيطرة على أسماء وقوائم المتبرعين الذي يطلبون في كثير من الأوقات عدم الإعلان عن أسمائهم لأي جهة، فضلًا عن قصر الرؤية والنظر في التحدث عن التبرعات التي يمكن أن تكون جملة واحدة فقط من أحد الأشخاص بعد أن كانت تتنوع أنشطتهم من إعانات خيرية يومية، للتبرع للمؤسسات والجمعيات الخيرية. قانون فاسد وغير دستوري وأكد أمين، في تصريحات خاصة ل" التحرير" أن هذا القانون فاسد وغير دستوري لأكثر من سبب أنه قانون سالب لكل المواد المتعلقة بحق التنظيم ومواد الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور المصري، ولن يصمد ساعة واحدة إذا ذهب للطعن عليه أمام المحكمة الدستورية العليا، فضلًا عن إعداده من قبل أجهزة الأمن التي مررته عبر البرلمان وصوت عليه الأعضاء في نفس الوقت الذي وصل فيه تقرير قسم التشريع بمجلس الدولة . وأضاف، هذا القانون الجائر التف على مبدأ الإخطار، وبالتالي خرق قاعدة رئيسية في قوانين تأسيس الجمعيات الأهلية في أن كافة القرارات التي تصدر منها أو تخص عملها لابد أن تصدر فقط من جمعيتها العمومية، طبقًا للمبدأ القانوني الذي أقرته محكمة القضاء الإداري العليا المصرية . ومن ثم فبصدور القانون الحالي يعد هذا بمثابة خرق لإستقلالية مؤسسات المجتمع المدني بحسب تعبيره، بما يرسخ بشكل كبير لإتجاه مصر للعودة للقبضة البوليسية التي تتحكم فيها الأجهزة الأمنية في كافة مقدرات المجتمع وتوزيع الصلاحيات بين أكثر من جهة بعد أن كانت المتابعة تخرج فقط من وزارة التضامن الإجتماعي صارت اليوم موزعة على جهازين "الأمن الوطني والوزارة" وهو ما يتسبب في خلق حالة من الإرباك الإداري في فكرة المتابعة لصالح إحكام القبضة الأمنية على تلك الجمعيات الأهلية. ألغام في وجه المجتمع المدني "هذا القانون ملئ بالألغام القانونية والبنود التعجيزية للعمل الأهلي التي ستنفجر في وجه الجميع".. هكذا اختتم أمين تصريحاته ل"التحرير" في ظل اخضاع الدولة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني لسيطرة الأمن الوطني ومن ثم الحد من رغبة المواطنين في الإشتراك بأي عمل خيري حين يعلمون بمراقبة الأمن لهم . قانون يصيب الجمعيات الأهلية في مقتل وحول الحوار النيابي الذي تم مع المجتمع المدني حول قانون الجمعيات الأهلية والذي كان حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الانسان، أحد المشاركين فيه أوضح من جانبه أن الحوار الذي تم كان شكليًا، حيث اجتمعوا مع الاتحاد العام للجمعيات، وعدد من جمعيات تنمية المجتمع وبدورهم طلبوا منهم مهلة لإرسال مقترحاتهم بخصوص القانون، وفي اليوم التالي أرسلت وزارة التضامن الإجتماعي مسودة القانون لمجلس الوزراء ولم يتم الاخذ بمقترحاتهم . ووصف أبو سعدة تشكيل اللجنة التنسيقية التي تنظم طريقة عمل الجمعيات الأهلية وتحدد آليات التمويل الخاصة بالمجتمع المدني والموافقة عليه من عدمه بأنه أصاب تلك الجمعيات في مقتل، قائلًا: المجتمع المدني لا يقتصر فقط على المنظمات الحقوقية أو العاملين في الجمعيات الأهلية بنظرة الحكومة القاصرة، لكنه يتضمن أيضا المستفيدين منه من ضحايا التعذيب والقمع والفقراء والمهمشين وكافة المتطوعين بالعمل الخيري المفترض أنه شريك مع الحكومة في إدارة الدولة وسد احتياجات المواطنين". هذا بالإضافة إلى مئات الجمعيات الخيرية والأهلية التي تقوم بجزء كبير من عمل الحكومة ويتم تخوينهم بالقانون الجديد رغم مشاركتهم في إنشاء فصول للتعليم ومحو الأمية في القرى الأكثر فقرا، وتوصيل المياة للقرى المحرومة وتوفير المأكل والملبس والدواء اللازم لهم وبناء مستشفيات ومساكن ومدارس ومساجد وكنائس إن لزم الأمر وغيرها من الخدمات المجتمعية التي عجزت الدولة عن توفيرها للمواطنين .