بعد صراع رياضي جميل دام أكثر من أسبوعين تغلق الليلة ملاعب البرازيل أبوابها فور انتهاء اليوم الأخير من المنافسات الشريفة، وتلملم الفرق الرياضية أغراضها وأعلامها وميدالياتها وتعود إلى بلدانها حاملة الأفراح والأحزان وحفنة ذكريات... أما نحن في مصر فيعترينا الألم لأن نصيبنا من الميداليات في هذه الدورة كان شحيحًا بشكل مؤسف جدًّا، فلم نحصل سوى على ثلاث ميداليات فقط كلها برونزية، ومن ثم صار ترتيبنا 72 من 78 دولة تمكنت من قنص الميداليات وفقًا للبيانات المنشورة أمس! لم نعرف طعم الذهب في هذه الدورة، كما لم نذق رائحة الفضة أيضًا، وهو أمر مفهوم إذا انتبهنا إلى أن النجاح في الرياضة هو انعكاس للتفوق في السياسة بشكل ما... أي التقدم في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، لذا لا غرابة في أن تحتل المراكز الأولى في الأوليمبياد خمس دول كبرى (ناجحة) في تشييد مجتمعات تنهض على تعظيم الحريات وتعزيز الديمقراطية واحترام العقل، وإن بدرجات متفاوتة، فأمريكا حصدت المركز الأول (116 ميدالية منها 43 ذهبية)، وبريطانيا استحقت المركز الثاني إذ جمعت (66 ميدالية منها 27 ذهبية)، والصين استولت على المركز الثالث (70 ميدالية منها 26 ذهبية)، وروسيا في المركز الرابع (53 ميدالية منها 17 ذهبية)، أما ألمانيا فجاءت في المركز الخامس (41 ميدالية ضمنها 17 ذهبية). لا نطمع أو نطمح أن نصل إلى ما وصلت إليه هذه الدول الكبرى في اصطياد الذهب والفضة، لأننا نعلم تمامًا أن التفوق لا يأتي اعتباطًا... حتى لو كان في الرياضة، وإنما يتحقق من خلال خطط علمية مدروسة طويلة الأجل تشارك فيها الدولة بمؤسساتها كافة، وهو أمر مفتقد لدينا تمامًا، فنحن محاصرون طوال عقود طويلة في مناخ عام بائس قائم على (الفهلوة والشطارة)، مناخ طارد للموهوبين... مناخ يخاصم التفكير العقلاني ويحابي الأوغاد قليلي الموهبة، فإذا أضفت إلى ذلك الموقف القاسي للسلطة من الحريات السياسية وخنق العمل العام، لأدركت لماذا نخفق دومًا في مصافحة الميداليات الدولية، ونجهل الطريق إلى الذهب والفضة. صحيح أن ثمة من حقق لنا بعض الفرحة عندما ظفروا بالميداليات البرونزية، وهم الثلاثي سارة سمير ومحمد إيهاب لاعبا رفع الأثقال، وهداية ملاك لاعبة التايكوندو، غير أن نجاح هؤلاء يعود إلى مهاراتهم الفردية فقط، وليس إلى تراكم الخبرات الرياضية وتطورها في المجتمع، ولعل ذلك يفسر لك لماذا لا نعرف النجاح في الألعاب الجماعية. على أية حال... إذا أردت الحصول على الذهب والفضة وتتفوق في الرياضة، فاعمل جاهدًا على ضبط أحوال الناس سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. أجل... وصلت الرسائل الحزينة إلى أوليمبياد البرازيل 2016... لكن من يفهم؟ ومن يعي؟