بدا واضحًا من لهجة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس أن الدولة بصدد اتخاذ إجراءات قاسية لضبط (الاقتصاد) بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 12 مليار دولار، ولكن هذه الإجراءات القاسية ستصيب من بالتحديد؟ الكل يعرف أن الغالبية العظمى من المصريين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة (هناك 26 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر باعتراف الحكومة نفسها)، وإذا أضفنا إليهم مثلهم من أولئك الذين يقيمون (فوق خط الفقر) مباشرة لكنهم فقراء أيضًا، لأصبح لدينا نحو 50 مليون مصري على الأقل في حالة عوز دائم. أمّا الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة فقد تضررت كثيرًا في العام الأخير وتدهورت حالات العديد من أفرادها، لدرجة أنهم هبطوا قسرًا ليلتحقوا بالطبقات الأفقر منهم، وهكذا يتم خلخلة (الاستقرار) الطبقي والاجتماعي بفعل الإدارة الفاشلة للاقتصاد، فإذا أضفت إلى ذلك الموقف الرسمي المعادي للحريات السياسية، والمتربص بالشباب عادة، لاكتشفت أن النظام يهرول نحو حتفه بصورة لا تصدق. تثبت الحكومة كل يوم أنها حكومة غير كفؤة بالمرة.. حكومة تحابي رجال الأعمال وتعادي الملايين من البسطاء.. حكومة ترفض أن تطبق التقشف على نفسها أولًا، فتنفق بسخاء على مظاهر الأبهة الوزارية، وتمنح مستشاريها الملايين كرواتب شهرية.. حكومة تخفق تمامًا في ضبط المرور في شوارع العاصمة.. حكومة لا تعرف شيئا عن الصناعة والزراعة وأنهما عماد أي اقتصاد ناجح.. حكومة تولول لأن السياحة تضررت من جراء أخطاء كارثية ترتكبها الحكومة نفسها.. حكومة تغرق الناس في كلام (غامض) حول عجز الموازنة والميزان التجاري ولا تدرك أن الناس لا يهمها سوى أن تستمتع بحياة حرة كريمة، وإذا كان هناك عجر في موازنة أوغيره، فلتتحمل الحكومة مسؤوليته لأنها من تملك السلطات المطلقة. أرجو ألّا تظن أنني أتحدث عن الحكومة الحالية فقط، وإنما أتحدث عن حكومات مصر كلها بعد عام 1974، وحتى حكومة السيد شريف إسماعيل، كلها جاءت لتضع سياسات ضد الغالبية العظمى من الشعب، وتدمر الصناعة والزراعة بناء على أوامر المؤسسات البنكية الدولية من أول نادي باريس حتى صندوق النقد الدولي، ومن عجب أنني طوال 45 عامًا أقرأ مانشيتات الصحف بانتظام وكلها تطالب الشعب بالتحمل لنعبر عنق الزجاجة، ولا أعرف متى سنعبر هذا العنق الملعون! في مقابل القسوة على الفقراء والضغط عليهم يرى الناس الإعلانات التي تتوجه للأثرياء تتوالى في الفضائيات.. من قصور وفلل ومنتجعات هنا وهناك، وكأن ثمة مصر أخرى لا يعرفها المواطنون البسطاء، الأمر الذي يوضح أن العدالة الاجتماعية جوهرة نفتقدها على الدوام في مصر المحروسة، والسبب يكمن في رفض الحكام العمل بجدية على تحقيق هذه العدالة. حتى انتفاضة الشعب في يناير 1977 ضد نظام السادات عندما قرر رفع أسعار السلع الرئيسية في حياة الناس مثل السكر والشاي والأرز والسجائر، حتى هذه الانتفاضة التي يعتز بها المصريون جاء من يدينها ويتهم السادات بأن تراجعه عن قرارات رفع الأسعار كان خطأ كبيرًا، وكأنه يقول: ليت السادات ضرب الناس واعتقلهم وظل على موقفه! إن النظام الذي يتعامل مع الشعب باعتباره (زبون) يجب أن يربح منه، نظام خائب وظالم ولن يستمر طويلا!