يحزن المرء كثيرًا عندما يرى دولة (كبرى) يعتريها الارتباك... من مقال في مجلة! الدولة هي مصر ممثلة في وزارة الخارجية، والمقال نشرته مجلة (الإيكونوميست) البريطانية تحت عنوان (خراب مصر). الوزارة استشاطت غضبًا واتهمت المجلة بالكذب، رغم أن هذه المجلة العريقة معروفة بالمصداقية والرصانة والمهنية، لكن ارتباك الوزارة وتوترها يؤكدان أن مصر الرسمية تمر بمأزق كبير... وهي تعلم ذلك. فندت (الإيكونوميست) الوضع الاقتصادي المصري، واتهمت النظام بالفشل في تجاوز مشكلاته الاقتصادية ونصحت الرئيس عبد الفتاح السيسي ألا يترشح للرئاسة مرة أخرى في 2018. وقد برهنت على الفشل الاقتصادي بالأرقام، وذكرت أن مصر تلقت مساعدات سخية من دول الخليج فور الإطاحة بمحمد مرسي وجماعته في 3 يوليو 2013، غير أن الفشل كان عنوان الحكومات المتعاقبة فأخفقت في الاستثمار الجيد لهذه الأموال، فتفاقم العجز في ميزانية الدولة بصورة مخيفة، وتعطل الاقتصاد وارتفعت نسبة البطالة حتى بلغت 40% من القادرين على العمل، وها هو النظام يهرول إلى صندوق النقد الدولي متوسلا قرضا بقيمة (12 مليار دولار)، وبالتأكيد سيفرض الصندوق شروطا قاسية سيقبل بها النظام، وسيعمل على أن يتحمل هذه الشروط الفقراء والطبقات المتوسطة، ولن تمس الكبار! صحيح أن (الإيكونوميست) تجازوت دورها بوصفها مطبوعة معنية بالاقتصاد، واقتحمت مجال السياسة عندما وصفت السيسي بأنه أشد قمعًا من حسني مبارك، ولكن من قال إن الاقتصاد بعيد عن السياسة؟ من أسف... تآكلت شعبية الرئيس بصورة متزايدة خلال عامين، وكانت عداوة النظام للشباب الثائر بداية تراجع شعبية الرجل، الذي لولا هذا الشباب وثورته في يناير ثم يونيو ما تمكن السيسي من الصعود إلى عرش مصر! لا نعرف عدد المعتقلين أو المحبوسين على ذمة قضايا سياسية سلمية (لا أتحدث عن الذين مارسوا العنف ضد الشعب والدولة)، فهناك من يقول إنهم في حدود أربعين ألف وهناك من يرتفع بالرقم إلى 60 ألف معتقل سلمي، الأمر الذي يكشف ضيق صدر النظام بأي اختلاف، علمًا بأن الملايين خرجت في يناير بحثا عن حقهم في التعبير بحرية بعد أن ذاقوا الأمرين على يد مبارك وزبانيته. لم يدرك نظام السيسي أبدًا أن الأمور تغيرت، وأن الناس قبل ثورة يناير غير بعدها، وأن المصريين إذا صيروا على الضيم زمنا، فلن يطيقوا احتماله إلى الأبد، كما أنهم تمتعوا بوعي كبير في خلال هذه الأعوام الستة، وتبينوا أن الفقر ليس قدرًا محتومًا، وإنما هو ظلم اجتماعي تمارسه السلطات وتعززه من خلا انحيازها إلى الأثرياء وتدليلهم من جهة، ومن خلال إخفاق هذه السلطات في إدارة الاقتصاد بشكل أكثر عدلا من جهة أخرى. لقد فضح النظام نفسه بردوده العصبية على (الإيكونوميست)، وإذا لم يسرع بإجراء تغييرات جذرية في سياساته كلها، فمستقبله... ومستقبلنا على المحك.