هل يمكن لبلد تصالح لصوص المال العام أن تتقدم وتتطور وتقضي على الفساد؟ هل يمكن لدولة لا تعاقب هؤلاء اللصوص عقابًا شديدًا أن تأمن على مستقبلها؟ لقد قررت الحكومة في مصر التصالح مع حسين سالم أحد أقرب رجال مبارك وأكثرهم فسادًا، كما أعلنت الدولة نفسها فيما سبق عندما رفعت في وجهه عدة قضايا تتهمه بالفساد وسرقة المال العام، لدرجة أنها تواصلت مع الشرطة الدولية (الإنتربول) لتيسر لها القبض على الرجل ومحاكمته في مصر، لكننا فوجئنا بأن جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل يعلن التصالح مع حسين سالم وأسرته وفق صفقة (تجارية) لا تليق بدولة، وإنما بمجموعة تجار، وسأشرح ذلك بعد قليل. اللافت أن حسين سالم كان يحظى بالبراءة بعد كل حكم يصدر ضده، ففي عام 2012 صدر ضده حكم بالسجن المشدد 15 عامًا في قضية تصدير الغاز لإسرائيل، لكن محكمة النقض منحته البراءة بعد ذلك، والأمر نفسه حدث مع قضية الفلل والقصور التي كان يهديها حسين سالم للرئيس المخلوع مبارك ونجليه، كذلك حكم على الرجل وابنه خالد وابنته ماجدة بعشر سنوات سجنًا لكل منهم في قضية بيع الكهرباء بالأمر المباشر، الأمر الذي يؤكد أن الدولة كانت تستغل هذه الأحكام وتدير مفاوضات سرية مع الرجل حتى يرضخ في النهاية و(يتصالح)! لقد تمت الصفقة (التجارية) على أن يتنازل حسين سالم وأفراد أسرته عن 21 أصلا من الأصول التي يملكونها لصالح الدولة المصرية بقيمة 5 مليارات و341 مليونا من الجنيهات المصرية، بما يعادل 75% من الأصول التي يملكونها في الداخل والخارج، كما ذكر موقع جريدة "التحرير". لماذا لا تليق هذه الصفقة بدولة؟ لأنها ستعزز الفساد، وستغطي على الفاسدين الحاليين وتشجع ممارساتهم المرذولة، ما دام كل فاسد قد عرف الطريق الأمثل للإفلات من العقوية، وهو (إعطاء) الدولة بعض أمواله الحرام، لتتركه في حاله يعيث في الأرض فسادًا! قد يقول قائل: ماذا ستستفيد الدولة من محاكمة حسين سالم وأبنائه وحبسهم كما أعلنت إحدى نائبات مجلس الشعب إياه، فالدولة أولى بالمليارات الخمسة (تعادل نصف مليار دولار فقط)، لتواصل إنجاز المشروعات التي تهم الشعب، ولمثل هؤلاء نقول: الدولة يجب أن تظل رمزًا للعدل والطهارة والحزم مع الفاسدين... الدولة ليست مجموعة تجار يعقدون الصفقات مع اللصوص ويقتسمون معهم الأموال التي سرقوها... الدولة يتحتم عليها أن تبقى قدوة ومثلاً أعلى للجميع، لكن يبدو أن حكومتنا لا تعرف معنى الدولة. إن صفقة التصالح مع حسين سالم تؤكد أنه لا أمل قريبًا في مصر المحروسة بشأن محاربة الفساد واقتلاعه من الجذور كما يدعون ليل نهار، وتعزز هذه الصفقة في الوقت نفسه الفساد القائم وتغذيه وتمنحه دفعة قوية للازدهار والتمدد برعاية الدولة... بكل أسف. لقد قال أحد الحكماء قديمًا: مَنْ أَمِن العقاب أساء الأدب، ونسى أن يضيف... وأهان الدولة!