بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، يتحتم على بريطانيا بناء علاقات تجارية جديدة مع 27 دولة لا تزال موجودة داخل الاتحاد ومع دول أخرى حول العالم. وكانت بريطانيا جزءا من اتفاقيات تجارية تفاوض بشأنها الاتحاد الأوروبي، وتشمل 22 اتفاقية تجارية مع دول مختلفة و5 اتفاقيات متعددة الأطراف تشمل دولًا عدة. ويعني هذا أنه إذا أرادت بريطانيا الاحتفاظ بامتيازات داخل أسواق 52 دولة تغطيها تلك الاتفاقيات، فإن عليها التفاوض من جديد بشأن اتفاقيات تجارية معها جميعًا، وتعد بريطانيا سوقًا كبيرة، ولذا ثمة حافز يدفع الكثير من البلدان للتفاوض معها بشأن صفقات تجارية. ألمانيا وفرنسا وإيطاليا: لا مفاوضات غير رسمية مع بريطانيا كانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، صرحت أن زعماء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا اتفقوا على أنه لا يمكن إجراء مفاوضات غير رسمية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل أن تتقدم لندن بطلب رسمي لمغادرة التكتل. وقالت ميركل في إشارة إلى مادة في معاهدة الاتحاد الأوروبي تتعلق ببدء عملية خروج بلد ما من التكتل: "نحن متحدون في ضرورة تفعيل المادة 50 ولا يمكن اتخاذ أي خطوات أخرى قبل اتخاذ هذا القرار". من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مؤتمر صحفي مشترك، مع زعيمي ألمانيا وإيطاليا، أنه لا يوجد وقت لإضاعته في تنظيم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتبعاته، ولا في إعطاء قوة دفع جديدة للاتحاد الأوروبي. من جانب آخر، حذر قادة الاتحاد الأوروبي بريطانيا من أنه لن يكون هناك "عضوية حسب الطلب" في السوق الأوروبية الموحدة، جاء ذلك خلال المحادثات التي تمت في بروكسل لمناقشة خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي. وقال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر: "يتعين على من يرغب في أن يكون جزءا من السوق الأوروبية الموحدة الالتزام بقواعدها الصارمة دون استثناء". ويسمح الاتحاد الأوروبي للحكومات بالإخطار عن نيتها بالمغادرة، وتبدأ المباحثات حينئذ بشأن عدد من القضايا بين الدولة الراغبة في الخروج وبقية الأعضاء الآخرين. ومع هذا التعنت المطلق من جانب الاتحاد الأوروبي من جهة، ومن جانب أقوى 3 دول متواجدين به من جهة أخرى، لم يعد أمام بريطانيا سوى أن تتبع إحدى النماذج التالية في علاقتها بالاتحاد ودوله: 1- نموذج النرويج النرويج عضو في المنطقة الاقتصادية الأوروبية المعروفة باسم السوق الموحدة -بجانب 28 دولة أعضاء حاليًا في الاتحاد الأوروبي- وأيسلندا وليختنشتاين. وفي مقابل التعامل مع السوق الموحدة، تقدم النرويج مساهمة لميزانية الاتحاد الأوروبي، كما التزمت بالموافقة على جميع القواعد المعمول بها داخل الاتحاد، ويتمتع جميع مواطني الاتحاد بحرية الإقامة والعمل في النرويج، لكنها معفاة من قواعد الاتحاد الخاصة بالزراعة والصيد والعدالة والشؤون الداخلية. ويتمثل الجانب السلبي بالنسبة للنرويج في عدم قدرتها على الإدلاء برأيها في قواعد السوق الموحدة. 2- نموذج سويسرا لدى سويسرا اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي وعدة اتفاقيات أخرى أتاحت السوق الموحدة أمام معظم قطاعاتها، لكن السوق الموحدة ليست متاحة بالكامل لقطاعها المصرفي وبعض أجزاء قطاع الخدمات السويسري، ويشكل القطاعان ما يقرب من 80% من الاقتصادالبريطاني، وينص الاتفاق مع سويسرا على حرية حركة المواطنين. وصوتت سويسرا ضد الانضمام للمنطقة الاقتصادية الأوروبية في ديسمبر 1992، وبدلًا من هذا، وافقت الدولة، التي تبيع أكثر من 50% من صادراتها داخل الاتحاد الأوروبي، على أكثر من 120 اتفاقية ثنائية مع بروكسل تتيح لها التعامل مع الأسواق الأوروبية، كما تساهم سويسرا بمليارات من الدولارات في مشروعات الاتحاد. وتواجه الاتفاقيات الثنائية خطر الانهيار الآن بسبب مسألة حرية تنقل الأفراد، وذلك بعدما فضل مواطنوها، في استفتاء أجرته قبل عامين، الحد من العمالة الوافدة من الاتحاد الأوروبي. ورغم أن سويسرا لم تنفذ ذلك حتى الآن، ردت بروكسل سريعًا بوقف تنفيذ اتفاقيات وتجميد المشاركة في مشاريع التعليم. 3- النموذج التركي تركيا ليست جزءًا من المنطقة الاقتصادية الأوروبية أو اتحاد التجارة الحرة الأوروبي، لكن لديها اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، ويعني هذا أنها لا تدفع أية تعريفات جمركية (ضرائب أو رسوم على الصادرات والواردات)، ولا ينطبق الاتحاد الجمركي على البضائع الزراعية أو الخدمات. ولا تملك تركيا أيضًا الحق في تحديد الرسوم الجمركية التي يجب فرضها على البضائع التي تستوردها من البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتضطر إلى تطبيق الرسوم الخارجية المشتركة في الاتحاد الأوروبي. 4- خيار كندا لم تفعل بعد اتفاقية الاقتصاد والتجارة الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، رغم أنه جرى التفاوض بشأنها ل7 سنوات، وتمنح تلك الاتفاقية كندا امتيازًا في التعامل مع السوق الأوروبية الموحدة دون الالتزامات المفروضة على النرويجوسويسرا، وتلغي غالبية الرسوم التجارية، ولكن هناك بعض الأطعمة "ذات الحساسية" في أوروبا، خارج هذه الاتفاقية منها البيض والدجاج. وعلى المصدرين الكنديين إثبات أن جميع منتجاتهم مصنوعة بالكامل في كندا، التي تفرض تكاليف إضافية، لمنع واردات من دخول الاتحاد الأوروبي عبر "أبواب خلفية"، وأدرج قطاع الخدمات الكندي بصورة جزئية في الاتفاقية الكندية مع الاتحاد الأوروبي. لكن قد لا يمنح هذا النوع من الاتفاقيات الخدمات المالية البريطانية نفس الفرصة المتاحة أمامها حاليًا للوصول للسوق الأوروبية، ويشير منتقدو هذا النموذج إلى أن بريطانيا لديها شبكة علاقات مع الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيدًا بكثير من كندا. 5- نهج سنغافورةوهونغ كونغ بعض المدافعين عن خروج بريطانيا قالوا إنها يجب أن تنتهج سياسة تجارة حرة أحادية، وتسقط كل الرسوم الجمركية وتعتمد على إطار العمل الخاص بمنظمة التجارة العالمية، وذلك وفقًا لما أوردته فايننشال تايمز، وعلى سبيل المثال، تعني سياسة التجارة الحرة داخل هونغ كونغ أنه لا توجد أي قيود على التجارة. وتقول حكومة هونغ كونغ إنها "لا تضع رسومًا جمركية على البضائع المستوردة أو المصدرة"، وربما يلقى هذا النهج قبولًا لدى مؤيدي معسكر الخروج في بريطانيا الذين يتجهون إيديولوجيًا لإزالة القيود التجارية، ولكن من المرجح ألا يحظى ذلك بدعم كبير من جانب الناخبين من مؤيدي حزب العمال وجناح اليسار المنتقد للاتحاد الأوروبي.
ويتوقع أن يحدث غياب رسوم جمركية من أي نوع تأثيرًا سلبيًا على القطاع الزراعي والصناعي في الاتحاد الأوروبي، خاصة أن المنتجات الزراعية والمعدنية المستوردة من الخارج ستكون في حالات كثيرة أقل ثمنًا من تلك التي تنتجها بريطانيا.