تكتيك عسكري قديم قدم التاريخ، يهدف إلى تضييق الخناق حول العدو ودفعه إلى الاستسلام.. إنه الحصار، كثيرًا ما نجح هذا التكتيك في إسقاط الحصون والقلاع، ولكنه بالتأكيد لم ينجح -ولن ينجح- أبدًا في هزيمة "الكلمة". العشرات من المدرعات، المئات -وربما الآلاف- من جنود الأمن المركزي المدججين بالسلاح، ضباط بزي "ميري" ومدني تنافس أعدادهم أعداد المارة.. كلهم جاؤوا إلى هنا من أجل حصار القسطنطينية.. عفوًا.. لحصار نقابة المسلحين.. عفوًا مرة أخرى، يبدو أنها نقابة الصحفيين! " كَمْ أحرَقَ المَغولْ مِنْ كُتُبٍ؟.. كم سحَقَتْ سنابِكُ الخُيولْ مِنْ قائلٍ؟ لكنّما.. ها أنت ذا تقولْ.. ها هوَ ذا يقولْ.. وها أنا أقولْ.. مَنْ يمنعُ القولَ مِنَ الوصولْ ؟".. أحمد مطر إنه الشغل الشاغل الآن لجميع الخبراء العسكريين حول العالم.. كيف يمكن لجحافل الأمن المركزي المباركة دك حصون نقابة الصحفيين؟ هل يجب قصفها بالمنجنيق؟ أم قد تكفي الأبراج المتحركة؟ وماذا سيكون العمل إذا استخدم الصحفيون المتحصنون النيران الإغريقية؟.. أسئلة ربما يعكف على دراستها حاليا أعتى الخبراء الإستراتيجيين بوزارة الداخلية. ليس حصارًا لمبنى، ولا لمجموعة من الأوغاد المارقين المجدفين في الذات الرئاسية، بل محاولة لحصار العقول، محاولة بائسة لحصار الإنسان ومنعه من التحرر من القالب الحيواني الذي حبسته داخله طويلًا قوى الظلم والظلام، محاولة يائسة لسد فتحة القمقم وكبح جماح المارد الغاضب الذي استيقظ أخيرًا قبل سنوات، وما انفك يزمجر من حينها ويضرب بيديه الجدران باحثًا عن حرية طال انتظارها منذ قرون، ربما منذ خلق البشر. ماذا لو استيقظت الآن ديناصورات العصر الطباشيري؟ بالتأكيد ستموت مرة أخرى حيث لن تستطيع التكيف مع طبيعة الحياة في هذا الزمن، هكذا الأمر بالضبط بالنسبة ل"الديناصورات السوداء" التي تستخدم تكتيكات العصور الوسطى لحصار الأفكار، انقراضها مسألة وقت.. ليس أكثر. يتمنونه "حصار القسطنطينية" ولا يدرون أنه "حصار عكا"، حيث ستنكسر أوهامهم في النهاية على جدران الكلمات، وستفرغ أسلحتهم من ذخيرتها ولن تفرغ العقول من أفكارها، وستطحنهم حركة التاريخ كما طحن الطاعون جنود نابليون، فالرصاصة الواحدة قادرة على قتل شخص واحد، أما الكلمة الواحدة فقد تهدم عروشًا وتسحق جيوشًا. " ذاكَ أنَّ الحرفَ قبلَ الموتِ ينتَصِرُ.. وعِندَ الموتِ ينتَصِرُ.. وبعدَ الموتِ ينتَصِرُ.. وأنَّ السّيفَ مهما طالَ ينكَسِرُ.. وَيصْدأُ.. ثمّ يندَثِرُ ".. أحمد مطر لم يُقتحم مبنى نقابة الصحفيين منذ تدشينها عام 1941، ماذا يعني هذا؟ أن النقابة عاشت آمنةً أكثر من 15 عامًا تحت الاحتلال البريطاني، حتى جلاء آخر جنوده في 18 يونيو 1956، بينما لم تستطع أن تحتفظ بحرمتها لعامين فقط تحت ظل النظام الجديد.