تتابع الفصول والسنوات وتظل مشتعلة كما هي، يتساقط عليها الثلج والمياه دون أن تخمد نيرانها، شعلة نيران ريدج بارك الأبدية، تلك الشعلة التي سميت بالخالدة التي لا تنطفئ، فهي دائمة الاشتعال دون توقف، وفي رحلة متعمقة في كهفها الواقع غرب نيويورك يمكننا الكشف عن سر تلك المعجزة التي حيّرت كبار علماء أمريكا في السبب الحقيقي وراء اشتعالها. في حضن حديقة "Chestnut Ridge Park" تجدها ساكنة في مخبأها بكهف شلالي لا تنقطع المياه عن التدفق على أحجارة الساخنة، هناك تجدها مشتعلة كما كانت من الآلاف السنين، قد تتواجد نيران لا تنطفئ في أخرى في العالم، إلا أنها غالبًا ما تكون من فعل البشر، ويدشنوها للمشاهير، وقادتهم الدينين وغيرها من الطقوس المختلفة، إلا أن شعلة Eternal Flame Falls الأبدية تختلف عن ذلك، فهي ربانية خالصة لا يتدخل بشر في إشعالها، فالنيران الطبيعية نادرة التواجد لأن الغاز واللهب بحاجة للعيش في بيئة معينة للتأكد من أن الغاز لا ينقطع أو تتوقف. اختلف العلماء على السبب الفعلي لاشتعالها وقدرتها على المحافظة على ذلك الاشتعال، فاتجه البعض إلى أن السبب وراء ذلك يعود إلى فعل الجن والسحرة، في حين اتفق البعض الآخر على أن ذلك الاشتعال بسبب حرارة الصخور التي قد تصل حد الجمرات الملتهبة، إلا أن اتجه فريق ثالث وهو الأقرب للصواب أن السبب يعود لتسريبات غازية تبقي الشعلة مضاءة دائمًا. يعود عمر الشعلة كما رجح الباحثون لوقت السكان الأصليين بأمريكا حيث الهنود الحمر، ويرجع الفريق الثاني صاحب فكرة الصخور الملتهبة، أن عملية الاشتعال تتطلب أن تكون الصخور تحتها حارة جدًا لدرجة تفوق غليان الماء، غير أن باحثين من جامعة "إنديانا" اكتشفوا أن الصخور تحت ريدج بارك ليست حارة لدرجة إنتاج غاز، فهي تشابه حرارة كوب من الشاي، ما يعني أن عملية جيولوجية من نوع آخر تشعل نار الشلالات. ورغم أن هذه العملية لا تزال غير واضحة بشكل تفصيلي فإن الدراسات الأولية التي أجرتها جامعة إنديانا بلومينجتون والمعهد الوطني للجيوفيزياء إيطاليا، ونشرت في مجلة البحرية وجيولوجيا البترول، تشير إلى أن السبب الفعلي يعود لتسريبات الغازات بين أحجار الكهف الطبقية والغاز المحبوس بينها، فقد أثبتت الأبحاث أن الغاز المتواجد بالكهف يحوي نسبة مركزة عالية جدًا من غازي الإيثان والبروبان، التي قد تكون الأضخم في العالم، وفقًا للدراسة التي أجرتها الجامعة بناءً على تحليل الصخور. لينفي العالم Schimmelmann، القائم الرئيسي على البحث بعد فحصه الصخور الزيتية التي اعتقد أنها السبب، "أن الصخور ليست المتسببة في النيران الدائمة، وأن الصخور تحت حديقة"، مقاطعة كستنائي ريدج "ليست ساخنة بما يكفي لإنتاج هذا الغاز، وهو ما يعني عملية أخرى تنتج الغاز الذي يمنع حرق اللهب". كما قام الباحثون بعدة قياسات بحثية مختلفة للشعلة الخالدة في نيويورك. عن طريق قياس حجم اللهب، ليتمكن الباحثون من تحديد مقدار الغاز الذي يحتاج إلى عملية الاشتعال، مرجحًا السبب الأقرب للاشتعال أن درجات الحرارة المرتفعة بالكهف، التي تتقارب لدرجة الغليان بسبب غازي الإيثان والبروبان تؤدي إلى تحطيم جزيئات الكربون في الصخر، وهذا التفاعل يعطي بيئة مناسبة لاشتعال الغاز الطبيعي. ولتدقيق معلوماتي لطبيعة الحياة والصخور في مقاطع ريدج بارك نجد الخريطة الجيولوجية التالية الموضحة لغرب ولاية نيويورك وشمال غرب ولاية بنسلفانيا، وتظهر مواقع النيران الأبدية في كستنائي ريدج مقاطعة بارك وكلرينجتون. وخلال الثلاثة الأعوام الأخيرة زاد الجذب السياحي على المنطقة بشكل كبير بعد تطوير الطرق المؤدية لها، وتعديلها مما أدى إلى زيادة الزوار لها، لكن تلك الشعبية أدت بالسلب على الكهف، فمع زيادة السياح زادت القمامة وأعمال التخريب والتلويث للمنطقة.