كتب - محمد شرف الدين أثار استقبال النائب البرلماني، توفيق عكاشة، للسفير الإسرائيلي بالقاهرة، حاييم كورين، الخميس الماضي، عاصفةً من الانتقادات في الأوساط السياسية والشعبية المصرية لم تهدأ حتى الآن، حيث اعتبر الكثيرون أن اللقاء يأتي في إطار "تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، فيما اتهم آخرون عكاشة ب"الخيانة" ودعوا إلى محاكمته بل وطرده من مجلس النواب، وهو ما أثار بدوره دهشة البعض، الذين تعجبوا من ردود الفعل العاصفة، رغم أن الأمر لا يعدو كونه أكثر من استقبال أعلى ممثل دبلوماسي ل"دولة صديقة"، لم يكد يمر الشهر الثالث على تصويت مصر لصالحها تحت سقف منظمة الأممالمتحدة. بعد اندلاع الأزمة الأخيرة، بدا وكأن السفير الإسرائيلي قد بزغ من العدم وانبثق عن الفراغ، أو كأن رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، لم يوقع بنفسه على طلب تعيين كورين سفيرًا لتل أبيب بالقاهرة، وكأن قوات الأمن المصرية ليست هي من وفرت كل سبل الأمان والاطمئنان لموكب الضابط السابق بجيش الدفاع الإسرائيلي - المكون من 6 سيارات - خلال طريقه إلى منزل توفيق عكاشة. وفي ذات السياق، جاءت أمس تصريحات كورين، في مداخلة هاتفية مع القناة العاشرة العبرية، والتي قال فيها إنه التقى بالرئيس عبد الفتاح السيسي، كما يلتقي "بشكل دائم" مع رجال النظام المصري، مضيفًا "العلاقات مع مصر طيبة جدًا، القاهرة وتل أبيب لديهما مصلحة مشتركة في محاربة التنظيمات الإرهابية مثل داعش وحماس". كما ذكرت القناة العاشرة أن الرئيس المصري يتحدث مرة كل أسبوعين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وكان كورين الذي أعادت مصر افتتاح سفارة دولته بالقاهرة في 4 أكتوبر الماضي - لأول مرة منذ 4 سنوات - قد أثنى على السيسي، في بيان نشرته الصفحة الرسمية للسفارة على موقع فيسبوك، الأربعاء الماضي، مؤكدًا احترام إسرائيل للرئيس المصري، واصفًا إياه بأنه "رئيس منفتح يريد الاستقرار لمصر والمنطقة، ويدرك جيدًا أن معالم الشرق الأوسط تغيرت، ويفهم ما تمر به مصر وإسرائيل". ويبدو أن هذا "اللقاء الودي" قد أسهم في إعادة قضية العلاقات المصرية - الإسرائيلية إلى الواجهة مرة أخرى، مسلطًا الضوء على أهم المحطات في هذا الملف الشائك خلال الشهور الأخيرة. التصويت لصالح إسرائيل في نهاية شهر أكتوبر الماضي أُنتخبت إسرائيل عضوًا في "لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي" التابعة للأمم المتحدة، بعد حصولها على 117 صوتًا، من بينها صوت مصر، الدولة العربية الوحيدة التي دعمت تل أبيب في أحد المحافل الدولية، لأول مرة منذ أن تلى دافيد بن جوريون بيان تأسيس الدولة العبرية في 14 مايو 1948. أنفاق غزة رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على إعلان وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، أن إغراق السلطات المصرية للأنفاق الحدودية مع قطاع غزة جاء بناءً على طلب من تل أبيب، إلا أنه حتى الآن لم يخرج مسؤول مصري واحد - على أي مستوى - لتأكيد أو نفي تصريحات الوزير الليكودي المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، والمرشح الأبرز لحقيبة الخارجية. وكانت "التحرير" قد طلبت من المتحدث باسم وزارة الخارجية، المستشار أحمد أبو زيد، تعقيبًا على تصريحات شتاينتس وهو ما لم يتسن حتى الآن. دأبت السلطات المصرية، والدوائر السياسية والإعلامية القريبة منها، على تبرير الحملات الأمنية المكثفة على الأنفاق الحدودية مع قطاع غزة - خلال الثلاثة أعوام الماضية - بكون هذه الأنفاق تُستخدم في تهريب الأسلحة والمخدرات من القطاع المحاصر إلى سيناء، وهو ما ظل محل شك الكثير من المراقبين، الذين يرون أن حركة التهريب تتم بشكل أساسي من سيناء إلى غزة وليس العكس، وهو ما أيدته تصريحات الوزير الإسرائيلي، الذي ادعى أن الحكومة المصرية تحاصر غزة إرضاءً لتل أبيب، في ظل صمت رسمي تام من القاهرة. وقد أثارت تصريحات شتاينتس عاصفة من الغضب ضده في الإعلام الإسرائيلي، فعل سبيل المثال - لا الحصر - طالبت صحيفة معاريف العبرية، في عددها الصادر بتاريخ 8 فبراير الجاري، بإقالة الوزير ومحاكمته لتسريبه هذا المعلومات التي اعتبرتها "خطيرة"، موضحةً أنها "سبَّبت أضرارًا لحكومة مصر والرئيس السيسي من الصعب أن نعرف مداها أو نقيسه". كما أفادت هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" بأن الجيش الإسرائيلي أبدى غضبه من تصريحات الوزير، التي اعتبرها القادة العسكريون مضرة بالعلاقات بين القاهرة وتل أبيب، حيث كشفت عن حجم تعاون السلطات المصرية مع إسرائيل، وهو ما تحرص مصر على إخفائه وإبقائه دائمًا داخل غلاف من السرية والتكتم. "إن القاهرة باتت أقرب لإسرائيل منها لحركة حماس، وأصبحت أقرب للقمر منها لحي الشجاعية في غزة".. تسفي برئيل، المحلل السياسي بصحيفة "هآرتس" العبرية، 21 يوليو 2014. البابا تواضروس في القدس في 26 نوفمبرالماضي وصل تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، إلى مطار بن جوريون بالعاصمة الإسرائيلية تل أبيب، على رأس وفد كنسي رفيع المستوى، يضم 8 من كبار القساوسة، متجهًا إلى القدس لحضور جنازة الأنبا إبرهام، في الزيارة الأولى من نوعها لرأس الكنيسة المصرية للمدينة المقدسة، منذ وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي في يونيو 1967، وهو ما أثار الكثير من اللغط والاتهامات للبابا بالتطبيع مع الدولة العبرية. وردًا على هذه الاتهامات، وصف البابا زيارته للقدس بأنها "دينية وروحية"، فيما كشف القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في تصريحات صحفية، أن "ترتيبات سفر البابا وطريقة وصوله للقدس قامت بها الدولة المصرية وليس الكنيسة"، وهو ما سلط الضوء من جديد على ملف "التطبيع الرسمي" مع إسرائيل. الأمان والثقة في 12 مارس 2015 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية حوارًا مطولًا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، قال فيه إنه "يتحدث كثيرًا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي"، موضحًا أن العلاقات بين مصر وإسرائيل تحظى ب"الأمان والثقة المتبادلة بين الطرفين"، مشيرًا إلى أن تل أبيب "أصبحت لا ترى بأسًا في انتشار قوات مصرية قرب الحدود الإسرائيلية رغم أن معاهدة السلام لا تسمح بذلك". وفي 11 فبراير الجاري، ذكرت القناة العبرية العاشرة أن السيسي التقى بالقاهرة وفدًا من قيادات الطائفة اليهودية بالولايات المتحدةالأمريكية، على رأسهم ملكولم هونلاين، المقرب من نتنياهو، لافتةً إلى أن "الرئيس المصري أعرب عن التزامه بالمصالح المشتركة بين القاهرة وتل أبيب". ومن جانبها، قالت صحيفة معاريف في 14 فبراير - نقلًا عن قيادات الوفد اليهودي الأمريكي - إن السيسي وصف نتنياهو خلال اللقاء بأنه "زعيم له قوى جبارة، لا تمكنه فقط من قيادة إسرائيل، بل تطوير المنطقة والعالم". يرى الكثير من المراقبين أن حجم الغاطس من العلاقات المصرية - الإسرائيلية حاليًا أكبر بكثير من الظاهر، في ظل تنامي المصالح المشتركة بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة، خاصةً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، ولكن على كل حال لا يبدو أن لقاء توفيق عكاشة بالسفير الإسرائيلي مؤخرًا هو أبرز ملامح ازدهار هذه العلاقات.