طوال الأسبوع الماضي، ظلت قناة العربية الإخبارية، التي يملكها رجل الأعمال السعودي إبراهيم الإبراهيم، والمحسوبة على النظام الحاكم في الرياض، تعلن عن إنتاج فيلم وثائقي عن حسن نصر الله الامين العام لحزب الله اللبناني "الشيعي"، كثيرون انتظروا عرض الفيلم، وفي مخيلتهم أنهم سيشاهدون فيلما، يكون بمثابة الضربة القاضية لرجل الدين الشيعي، الذي يترنح حزبه في أتون الحرب الأهلية السورية، بعدما خسر المئات من مقاتليه هناك. واعتبروا أن الفيلم الوثائقي، الذي روجت له القناة الإخبارية بشكل كبير، سيحوى ربما انفردات جديدة، أ و معلومات تحصلت هامة تحصلت عليها القناة عن كيفية الصعود السريع، لنصر الله من دراسته في النجف وعودته للبنان وانضمامة لحركة أمل قبل أن ينشق عنها، ويؤسس حزب الله بمساعدة إيرانية، ثم يقاتل رفقة حزبه الجديد الرفاق السابقين "حركة أمل" في الحرب الأهلية اللبنانية للسيطرة على الضاحية الجنوبية، وهو ما تم بالفعل. ولكن الصدمة كانت كبيرة، فخلال مدة الفيلم التي قاربت 23 دقيقة، لم يحدث أي مما دار في مخيلة المشاهد الذي من المفترض أن لديه توجه ضد سياسات الحزب الشيعي، كل ما يمكن أخذه على الرجل طوال الفيلم هو حديثة عن جعل الدولة اللبنانية جزءا من نظام ولاية الفقية في إيران، وهذا ليس بجديد، وذاعته القناة في اوقات سابقة، أما عد ذلك، فقد سرد الفيلم سيرة حياة نصر الله، وكيف أنه وصل إلى مرتبة القيادة عبر الكفاح على مدى السنوات الماضية، ولكن في النهاية أتى الفيلم أضعف ما يكون، لا يحتوي على معلومات ذات أهمية كبرى، ناهيك عن معلومات جديدة، ولم يستخدم فيه راوي أو ضيوف يتحدثون عن سيرة الرجل، واعتمد في أغلبه على صور ومعلومات عن سيرة نصر الله. كنت أتوقع شخصيا، أن يركز الفيلم على النقاط الشائكة التي تحص الحزب، ولا سيما القتال في الضاحية الجنوبية ضد حركة أمل، وبداية النزاع الشيعي الشيعي في الحرب الأهلية اللبنانية، كيف ساهمت إيران في نشاة الحزب ومساعداته طوال تلك الفترة، كيف تسبب رعونة الحزب السياسية في حزب تموز 2006 التي أعادت للبنان لخراب الحرب الأهلية، وتسبب في تدمير البنية التحتية لبيروت. وهناك قضايا كثيرة أخرى كان من الممكن الحديث عنها، دور الحزب في الحرب السورية، كيف يعتمد الحزب في تمويله على المخدرات، كيف يقوم الحزب بمحاولة نشر المذهب الشيعي في أوساط الشباب بالقرى السنية في الجنوب اللبناني، وهو التحقيق الذي أجرته الصحفية اللبنانية بتول الحسيني في موقع جنوبية، كل هذه نقاط شائكة كان من الممكن أن تعتمد عليها القناة في فليك حكاية حسن. كما أن رد فعل المشاهدين السعوديين أتى عكس ما يشتهي مسئولي القناة السعودية، فقد هاجم كثيرون القناة، واتهموها بتحسن صورة حسن نصر الله، الكاتب السعودي تركي الحمد، أبدى استهجانه لمحتوى الفيلم، وقال: "كنت كمن تلقى دلوا من ماء ثالج في يوم بارد بعد مشاهدة حكاية حسن.. وتأكدت من أنني أشاهد قناة العربية وليس أي قناة أخرى.. ما الذي يجري؟". وأضاف الحمد: "في حكاية حسن يظهر السيد بوصفه زعيما كاريزميا شق طريقه صغيرا بين الصفوف حتى أصبح عملاقا تبكي الجماهير لمجرد رؤيته.. أهذا هو ما نحتاجه اليوم؟". ولعل من أبرز المهاجمين للفيلم كان إمام الحرم المكي سعود الشريم، الذي كتب تغريدة، قال فيها: "أخطر المنابر الإعلامية على الوطن المسلم من كانت ألسنة ذويها داخل الوطن وقلوبهم خارجه (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون)". أما الكاتب والسياسي السوري المعروف محيي الدين اللاذقاني، فقد تساءل على صفحته على موقع (فيسبوك) قائلا: "السؤال الذي لا أعرف جوابه وارجو مساعدتكم في ذلك:كيف توجد قناة بتمويل سعودي تلمع ايران والخرتيت وتحارب تركيا مع انها الحليف الاقرب للسعودية.؟" وقال الناشط الموالي لحزب الله، عباس زهري: "السعوديين راح يولعوا مكاتب العربية مش نحنا". أما جواد حسن نصر الله، فقد كان أبزر الشامتين بالجمهور المعارض لحزب الله بعد عرض الفيلم، وكتب مجموعة تغريدات ساخرة قال فيها: "حكاية حسن اطلبه الآن من دار المنار الفني". ولم تفوت وسائل الإعلام القريبة من حزب الله الفرصة، فمن جانبها، قالت صحيفة "السفير" المقربة من حزب الله، إن قناة العربية بدلا من أن تذم حسن نصر الله في فيلم "حكاية حسن"، فقد مدحته، بحسب تعبيرها. وأوضحت "السفير" في مقال للكاتب علاء حلبي، أن قناة العربية "عرضت خلال نصف ساعة تقريبا مقتطفات من خطابات السيد نصر الله، وتعليقات مأخوذة من برامج عرضتها قنوات فضائية لا تقدم أي إضافة"، واصفة الفيلم بأنه "أشبه بعملية بحث في موقع يوتيوب، مع مونتاج سريع يلصق أشرطة مصوّرة من دون تسلسل زمني أو توجّه واضح، ثم يفصل بين الفيديوهات بسرد تاريخي مطول ومشاهد من الحرب الأهلية في لبنان أو مقتطفات من برامج منوعة". بدورها، قالت صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله، إن "الترويج للحزب طيلة الأسبوع المنصرم بثقل واضح، جعل المتلقي يظن أنه سيكون أمام مادة قوية"، مستدركة بأن "الأمر لم يحصل"، بل كنّا أمام "مراهقة مهنية" في تمرير بعض الرسائل كعرض صور الراحل رفيق الحريري، بالتزامن مع خطاب نصر الله بُعيد اغتيال الحريري في 8 آذار (مارس) 2005 الذي كان وقتذاك من ضمن عناوينه "الشكر لسوريا". وأضافت "الأخبار" في مقالة للكاتبة زينب حاوي، أن "الفيلم دفع الحزب للتحذير من إيقاع الفتنة بين حركة أمل وحزب الله"، مستدركة بأن ما حصل بعد الفيلم "قلب التوقعات، فبات الشاكي هو جمهور القناة السعودية الذي شكل حتى هذه اللحظة على تويتر قوة ناشطة تنتقد تصوير السيد بهذه الطريقة كجزء من الترويج له". أما قناة "الجديد" فسخرت من فيلم "حكاية حسن"، معتبرة أن قناة العربية السعودية انضمت بعرضها لفيلم "حكاية حسن" إلى محور الممانعة، عبر تلميع صورة الأمين العام للحزب.