تواصل الولاياتالمتحدةوتركيا والعديد من الدول الأوروبية المعلومات التي عرضتها روسيا من خلال وسائل الإعلام على الرأي العام العالمي والأوساط السياسية والعسكرية والقانونية الدولية بشأن تورط تركيا وأطراف أخرى في تهريب وبيع النفط الداعشي. ما يعكس شكلا من أشكال التورط، أو في أحسن الأحوال التواطؤ. وعلى الرغم من عرض الصور والمعلومات الروسية الموثقة، إلا أن المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية أليسا سميث أعلنت أن واشنطن "ترفض الفرضية التي تقول أن القيادة التركية متواطئة مع داعش في تهريب النفط، نحن لم نشاهد أي إثباتات تدعم هذه الاتهامات". وزارة الدفاع الروسية نشرت شريط فيديو يظهر عبور شاحنات نفط تابعة لتنظيم "داعش" وهي تعبر الحدود السورية متجهة إلى تركيا. وأوضحت، خلال مؤتمر صحفي حاشد، أن عائدات داعش من التجارة غير الشرعية بالنفط كانت تبلغ 3 ملايين دولار يوميا قبل بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا منذ شهرين، لكنها تراجعت في الآونة الأخيرة إلى مليون ونصف المليون دولار. في إشارة واضحة إلى أن ضربات الطيران الروسي تسببت في أضرار بالغة أصابت ليس فقط داعش ومصالحها وزنوالها، بل أيضا عددا كبيرا من المتورطين والشركاء في تمويل داعش ودعمه وفتح الطرق وقنوات التمويل والتسليح أمامه. من الواضح أن هناك حالة من "الإنكار المَرَضي" تسيطر على واشنطن وحلف الناتو وأنقرة. ما يعطي انطباعا بأن هناك أهدافا أخرى تتجاوز أزمة القاذفة الروسية وتجارة النفط. ولا يتجاهل المراقبون هنا أن الولاياتالمتحدة وحلف الناتو ينويان التصعيد على أكثر من محور، سواء بإعلان الاستعداد لضم دول جديدة إلى حلف الناتو أو دعم تركيا في مواجهة روسيا، على الرغم من أن موسكو أكدت أكثر من مرة أنها لن ترد عسكريا على خطوة أنقرة بإسقاط القاذفة الروسية. ويبدو أن واشنطن تتمنى أن تقوم روسيا بالرد العسكري. بل هناك سيناريو لخلق أعداء وعداوات جديدة، تمثلها الآن روسيا على وجه التحديد. إذ أعلنت قيادة الناتو أن الدول الأوروبية الأعضاء وافقت أخيرا على زيادة ميزانية الدفاع لمواجهة المخاطر والتهديدات الجديدة التي تشكلها روسيا على منظومة الأمن الأوروبي وحلف الناتو. وفي ما يتعلق بتوسيع عضوية الحلف، أعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتينبورج أنه وجه الدعوة رسميا إلى جمهورية "الجبل الأسود" لبدء المفاوضات على شروط انضمامها إلى الناتو. وإمعانا في السخرية لفت ستولتنبيرج إلى "أن دعوة الجبل الأسود للانضمام إلى الناتو، لا تمت إلى روسيا بصلة، وغير موجهة ضد أي طرف كان"، مشيرا إلى أن الأمر على هذا الصعيد يخص الجبل الأسود والناتو حصرا". وشدد على أنه لا يحق لأي بلد كان، التدخل بقرار سيادي تتبناه دولة مستقلة. ثم ألقى بالقنبلة الثانية ليجدد العهد بالنسبة لانضمام عدد آخر من الدول، بقوله: "إن هناك تطورا ديناميكيا على طريق انضمام كل من البوسنة والهرسك، وجورجيا، ومقدونيا إلى الحلف". في الحقيقة، يبدو أن داعش بحاجة ملحة إلى شريان حياة رئيسي، متمثلا في النفط الذي يدر عليه ملايين الدولارات، ويمكنه من شراء الأسلحة ودفع مرتبات المقاتلين، والصرف على تنقلاتهم التي تحتاج إلى مبالغ ضخمة. ويبدو أيضا أن داعمي التنظيم يعرفون ذلك جيدا. ولذلك وفروا له كل المسوغات اللازمة للثراء وتمويل خزينته، وتسليح عناصره لمواصلة "مهامه". وهو ما يذكرنا جيدا بنفس النهج الذي اتبعته الولاياتالمتحدة وحلفائها في نشر زراعة المخدرات على نطاقات واسعة في أفغانستان كشريان رئيسي لتمويل المنظمات الإرهابية التي كانت تحارب القوات الحكومة الأفغانية والقوات السوفيتية في ثمانينيات القرن العشرين. إن الولاياتالمتحدة التي لعبت دورا مهما في توسيع رقعة المساحات المزروعة بالمخدرات في أفغانستان، عادت بقواتها إلى هذا البلد بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لتجده أكبر مزرعة مخدرات في العالم. والمدهش أن هذه التجارة ازدادت رواجا وازدهارا طوال السنوات الأخيرة لتهدد أوروبا نفسها وتضعها في مواجهة أزمة خطيرة لا تزال قائمة في المجتمعات الأوروبية. غير أن واشنطن لا تعبأ كثيرا بذلك، إذ على الجماعات الإرهابية أن تمول نفسها بنفسها لتستطيع الحصول على أسلحة إضافية غير تلك التي تسقط عليها "بطريق الخطأ" من الطائرات الأمريكية وطائرات الدول الحليفة لواشنطن. الآن يتم استخدام نفس السيناريو بمشاركة تركيا، عضو حلف الناتو، والتي وعدت واشنطن وبروكسل بدعمها، ليصبح النفط الداعشي معادلا تاريخيا واقتصاديا للمخدرات الأفغانية التي لا تزال تزرع بكميات ضخمة وتروَّج عبر طرق متعددة في أوروبا وروسيا وبعض دول الشرق العربي. ومن الواضح أن مزرعة المخدرات الأفغانية لن تتوقف عن الإنتاج، فالأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتينبيرج، وعلى عكس كل الوعود الأمريكية والأطلسية بالخروج من أفغانستان بنهاية عام 2015، أعلن أن الدول الأعضاء في الناتو اتخذت قرارا بالحفاظ على الوجود العسكري في أفغانستان. وأشار إلى أن الحلف سيقوم بتطوير التعاون طويل الأمد مع السلطات الأفغانية، مشددا على أن أعضاء الناتو أكدوا التزامه بإقامة بعثة عسكرية تحت الإدارة المدنية في أفغانستان، ستتبع بعثة "الدعم الحازم". وأوضح أن هذه البعثة ستضم 12 ألف عنصر من القوات العسكرية التابعة للحلف، وسترسل الولاياتالمتحدة وحدها حوالي 7 آلاف عسكري، بينما سترسل دول الناتو الأخري حوالي 5 آلاف آخرين. روسيا الآن لا تواجه داعش أو القاعدة فقط، بل تواجه أيضا آلتين حربيتين في غاية الخطورة: المخدرات الأفغانية التي تموِّل القاعدة وطالبان، والنفط الداعشي الذي يمول داعش وجبهة النصرة. وهو ما دعا موسكو مؤخرا للحديث عن المخاطر القائمة في أفغانستان، على الحدود مع طاجيكستان، وإمكانية توجه عشرات الآلاف من الإرهابيين التابعين لداعش والقاعدة إلى روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.