سواء وافقت وزارة الداخلية على الطلب الذى تقدم به عدد من النشطاء الأقباط بتنظيم مظاهرة داخل الكاتدرائية يوم 9 سبتمبر القادم أو رفضت، فإن الأمر يثير العديد من القضايا المتعلقة بالكنيسة والوطن. مبدئيا ليس لدى اعتراض على المظاهرة، كما أننى أؤيد أى مظاهرات تلتزم السلمية وتنادى بمطالب جماهيرية أو حتى فئوية، طالما تعبر عن حس وطنى وتبحث عن العدالة دون تخريب. ولكن الدعوة لهذه المظاهرة تثير العديد من التساؤلات التى تحتاج إلى إجابات من جهات عديدة حتى لا يترك الأمر للحدس والتخمين أو تقودنا إلى الشكوك والظنون. هل من الصالح العام أن توافق وزارة الداخلية على هذه المظاهرة؟ خصوصًا أنها تعلم أنه أثيرت بعض المشكلات خلال اللقاء الأسبوعى مع البابا منذ شهور، مما استدعى تدخل الأمن والقبض على بعض الشباب، بناء على طلب أمن الكاتدرائية؟ وسواء كان هذا الإجراء خطأ أم صحيحًا فيجب الانتباه لما قد يحدث يوم المظاهرة؟ نعم تنازلت الكاتدرائية عن البلاغ وأفرج بعد ذلك عن الشباب المقبوض عليه، ولكن بقيت غصة فى النفوس لدى جميع الأطراف، فالبابا ألغى اللقاء الأسبوعى حتى عاد بعد ذلك بفترة على أن يعقد فى أماكن متعددة، والشباب ظل غاضبًا مما حدث له، ولم يتدخل البابا والأساقفة وعقلاء العلمانيين لنزع فتيل هذا الغضب. وموافقة الداخلية تطرح تساؤلا آخر هو: هل توافق أيضًا على مظاهرة داخل مسجد أو جامعة أو مقرات العمل؟ وإذا رفضت ألا يثير هذا الرفض إشكالية وقوف أجهزة الدولة ضد حرية الرأى والتعبير؟ أليس من حق هؤلاء النشطاء التعبير عن غضبهم كما قالوا إزاء ممارسات يرونها خاطئة فى إدارة الإبرشيات المختلفة؟ وبعيدًا عن وزارة الداخلية فما موقف الأساقفة وأعضاء المجمع المقدس من هذه المظاهرة ومطالب المتظاهرين؟ ولماذا لم يحاول بعضهم حل المشكلة قبل أن تتفاقم؟ وهل حقيقة ما يتردد داخل الأروقة من أن بعض الأساقفة ممن يطلق عليهم الحرس القديم وراء هذه المظاهرة لتخويف البابا وإظهار العين الحمراء لإجباره على التراجع عن الإجراءات الإصلاحية التى يقوم بها حتى إنه يتردد أن البابا لم يحضر اجتماع المجمع المقدس الأخير وأناب عنه الأنبا روفائيل سكرتير المجمع؟ وإذا كان ما سبق صحيحًا فلماذا يقف باقى الأساقفة مكتوفى الأيدى ولا يناصرون البابا ويشدون من أزره؟ وهل صحيح أن الداعين للمظاهرة غرضهم وضع لوائح مالية فى الأسقفيات المختلفة ووضع قواعد شفافة وواضحة لتلقى التبرعات وصرفها؟ إذا كان هذا أحد الأهداف فمعهم الحق وقد آن الأوان لكى تقوم الكنيسة بهذا الإجراء. فلا يمكن أن تستمر الكنيسة بعد ثورتين فى التغاضى عن وضع أسس محاسبية اعتمادًا على قداسة الأساقفة ونبلهم ونسكهم وتبتلهم، وقد كان عدم وجود هذه القواعد الشفافة مثارًا لأقاويل وشائعات مست عددًا من كبار رجال الكنيسة وأقاربهم، ولو وجدت هذه القواعد ما تجرأ أحد على ترديد هذه الأقاويل. أيضًا متى تنتهى الكنيسة من مشكلة قانون الأحوال الشخصية وإيجاد حل للعالقين بعد طلاقهم وعدم تمكنهم من الحصول على تصريح بالزواج الثانى؟ الدعوة لهذه المظاهرة تثير تساؤلا محيرًا عن موقف العلمانيين مما يحدث، ولماذا يتركون البابا وحيدًا وكنت أعتقد أنهم يقفون بجانبه بقوة فى قضية الإصلاح الكنسى والتى نادوا بها كثيرًا، وإذا كان الداعون للمظاهرة مطالبهم إصلاحية فيجب الوقوف بجانبهم وإيصال صوتهم للبابا، وإذا كان وراءها أغراض أخرى فيجب كشفها وفضح من وراءها. أخيرًا الكنيسة مثل الوطن، تمر بمنعطف خطير فتحتاج إلى تماسك أبنائها، ولكنها أيضًا تحتاج إلى الديمقراطية والإصلاح والشفافية والمكاشفة والحزم فى مواجهة الفساد ومراكز القوى.