الكل ينتظرها، أقصد ضربة الحظ، أنها تلك التى تحيلك فى لحظة من خانة «المديونيير» إلى قائمة «الملياردير»، وأحيانا من غياهب الظلام إلى طاقة النور، من مجرد «كومبارس» لا يعِره أحد أدنى اهتمام إلى نجم يشار له بالبنان، الفنانة الكبيرة سميرة أحمد قالت لى إنها بدأت حياتها الفنية فى الأربعينيات، كومبارس صامت تتقاضى جنيها واحدا عن يوم التصوير، لكنها فى أحد الأفلام انتقلت درجة وصارت «كومبارسًا» متكلمًا، أى إن أجرها فى هذه الحالة يجب أن يصعد إلى 2 جنيه، ماطلها الريجيسير المسؤول المالى ولم يسدد لها الفارق، ذهبت تشكوه إلى المنتج أنور وجدى، فوجدته يتهلل فرحا فلقد كان يريد وجها جديدا لبطولة أحد أفلامه ووجد فى طلتها ما يبحث عنه ليتعاقد معها فى لحظات على بطولة الفيلم الجديد مقابل 200 جنيه، وظل أنور وجدى حتى رحيله عام 1955 محتفظا فى جيبه بجنيه سميرة. كان مثلا عادل إمام فى بداية المشوار قد ذهب للمخرج حسين كمال عندما علم أنه يجرى بروفات مسرحية «ثورة القرية»، كان يأمل أن يحصل على دور فى هذه المسرحية التراجيدية، حسين اعتذر لسبين الأول أنه كان قد قام بالفعل بتسكين كل الأدوار، أما الثانى وهو الأهم أنه لم يقتنع بعادل فى أى دور تراجيدى، بل غير له البوصلة ليتوجه صوب الكوميديا، وأضاف له دورا صغيرا فى المسرحية يقول كلمتين «معايا عسلية بمليم الوقية»، وفى أثناء العرض صارت الجماهير تردد وراءه تلك الجملة، وتمضى بضع سنوات ليحتل بعدها عادل إمام قمة الكوميديا فى العالم العربى وعلى مدى أربعة عقود من الزمان لا يزال يعتليها. عادل إمام هو الذى يرشح نور الشريف ليشارك فى بطولة «قصر الشوق» الجزء الثانى من ثلاثية نجيب محفوظ التى أخرجها حسن الإمام، عندما علم أن الإمام يبحث عن وجه جديد، أحدث نجم شباك فى السينما المصرية الآن محمد رمضان وقف قبل عشر سنوات على باب مسرح سعيد صالح يطلب منه أن يمنحه دورا، فاصطحبه سعيد على الخشبة مباشرة بلا بروفات ولا دور مكتوب وأجرى معه حوارا تلقائيا فضحك الناس، ليصبح رمضان الآن هو ورقة الإيرادات الرابحة الأولى فى السينما المصرية، كثيرة بالطبع تلك الحكايات، إلا أن السؤال هل هى مجرد ضربة حظ أم إنه هناك أشياء أخرى، صحيح ستجد من ساهم فى تحقيق الفرصة، لكن الناس هى التى تفتح الباب وذكاء الفنان هو الذى يطيل من عمر الباب المفتوح. هل تتذكرون المطرب إسماعيل شبانة؟ إنه الشقيق الأكبر لعبد الحليم حافظ وهو الذى أنقذه من الموت وحمله على يده وهو رضيع خوفا من أن يقتله أهل قريته «الخلوات» بمحافظة الشرقية بعد أن اعتبروه نذير شؤم، ماتت أمه وهى تنجبه ومات والده بعدها بأيام، إسماعيل كان هو المعلم الأول لشقيقه عبد الحليم شبانة قبل أن يتخلص عبد الحليم من لقب «شبانة» ويصبح «حافظ» تيمنا باسم المذيع الذى اكتشفه حافظ عبد الوهاب، إسماعيل هو الذى أخذ بيد حليم وأخذه من ملجأ الأيتام الذى عاش فيه عشر سنوات، وأقام معه فى القاهرة وألحقه بمعهد الموسيقى، وانطلق عبد الحليم محققًا نجاحًا استثنائيا بينما ظل إسماعيل حتى رحيله فى الظل، أنه القبول الذى يدعمه الذكاء العاطفى حيث يتوحد الجمهور مع الفنان دون أسباب موضوعية، ليست مجرد ضربة حظ ولكنها «كاريزما» يُنعم بها الله على من يشاء من عباده.