أخيرا وبعد مرور خمسين يوما على اغتيال النائب العام الشهيد هشام بركات، رشح المجلس الأعلى للقضاء ثلاثة أسماء لشغل المنصب الرفيع، وربما صدر قرار التعيين قبل نشر هذا المقال الذى يتم إرساله مبكرا لظروف طبع الجريدة. وفى كل الأحوال فإن تأخير الاختيار يظل لغزا غامضا يثير التكهنات والاستنتاجات والتساؤلات.. هل كان البحث عن شخص بنفس كفاءة النائب العام الراحل صعبا للدرجة التى أخرت الاختيار؟ - القضاء ملىء بالشخصيات المشهود لها بالكفاءة والخبرة والقادرة على تحمل تبعات المنصب، والقيام بواجباته على أكمل وجه، وكل واحد من الأسماء الثلاثة المرشحة قادر على القيام بالمهمة بنجاح. هل كانت المشكلة تتعلق باختيار شخص يكون على ولاء تام للنظام ينفذ تعليماته ويوافق على ما يريده؟ - لا يوجد تعارض بين مهمة النائب العام، باعتباره وكيلا عن المجتمع ومحامى الشعب، وبين النظام، ولا أحد من القضاة يقبل التدخل فى عمله، كما أن وظيفة النيابة الأساسية هى التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، حتى لو افترضنا أنه تم توجيه اتهامات غير حقيقية لبعض المتهمين فإن القضاء يفصل فى القضية، وهو الذى يصدر أحكاما بالبراءة أو الإدانة، مما يعنى أن مهمة النيابة رغم أهميتها وصعوبتها أقل من ناحية تحمل التبعات من القضاء، فتوجيه الاتهامات أقل خطرا من إصدار الأحكام. هل كان هناك إحجام ورفض من القضاة لتولى هذا المنصب إما للخوف من مصير الشهيد هشام بركات وإما لثقل المهمة فى هذه الأيام التى تزداد فيها قضايا الإرهاب والفساد؟ - غير صحيح، فمعظم القضاة -إن لم يكن كلهم- يرون فى تولى هذا المنصب شرفا كبيرا وتقديرا عظيما لكفاءتهم واعترافا بحيادهم وقدراتهم القانونية، كما أن الأغلبية العظمى منهم لا يخافون الإرهاب، وبعضهم يتصدى لنظر الدعاوى فى المحاكم وإصدار الأحكام، وهو أمر أخطر من التحقيق وتوجيه الاتهام، وهم يعرفون جيدا مهمتهم المقدسة وما تنطوى عليه من أخطار وتضحيات، ولا ننسى أن هناك من تولى القيام بعمل النائب العام بكل كفاءة وجدية. هل هناك صراعات داخل الأسرة القضائية وفى أجهزة الدولة حول اختيار أشخاص بعينهم؟ وهل هناك أجنحة مختلفة يحاول كل منها فرض أسماء محددة ورفض شخصيات أخرى مرشحة من الجانب الآخر، وهذا الصراع والخلاف هو ما أجّل إعلان اسم النائب العام الجديد؟ - الدستور حدد فى المادة «189» كيفية الاختيار، فهى تنص على أن «يتولى النيابة العمومية نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلى من بين نواب محكمة النقض أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف أو النواب العامين المساعدين، ويصدر تعيينه قرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما اقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله». هذا النص يحدد الجهة التى تختار، كما يحدد الاختيار بين من يشغلون مناصب بعينها، مما يجعل وجود أجنحة متصارعة أمرا بعيدا. الأسئلة السابقة وإجابتها مجرد تكهنات تزيد اللغز تعقيدا، فمن غير المعقول أن تظل منظومة العدالة فى مصر غير مكتملة أكثر من خمسين يوما، وأن نجعل العالم يظن أن هناك تدخلات من السلطة التنفيذية فى أعمال واختيارات السلطة القضائية. وأهم من الخارج الجبهة الداخلية، فمن حق المواطنين فى دولة «الشفافية» أن يعرفوا لماذا تأخر اختيار النائب العام كل هذا الوقت؟