وصلنى الخبر على البريد الإلكترونى: صدر حديثا كتاب «رحلتى مع رفيق العمر د.إبراهيم الفقى.. زوجى وأستاذى وحبيبى ومعلمى» بقلم الدكتورة آمال الفقى، والذى تسرد من خلاله سيرة ذاتية لزوجها الراحل الدكتور إبراهيم الفقى، والكتاب من توزيع الراية للنشر والتوزيع. إبراهيم محمد السيد الفقى (5 أغسطس 1950-10 فبراير 2012)، خبير التنمية البشرية، والبرمجة اللغوية العصبية، ولد بمحافظة الجيزة، هاجر إلى كندا لدراسة الإدارة، وبدأ هناك فى وظيفة تنظيف الأطباق وفى وظيفة حارس لمطعم وحمال كراسى وطاولات فى فندق. لم أتخيل طبعًا أن يكون إرسال الخبر إلى بريدى نوعًا من «إغاظتى» لأننى من المهتمين بسيرة «أمير» التنمية البشرية، والأب الروحى لقطعانها المنتشرة فى كل مكان. لكن ما أثارنى أن الخبر الدعائى يكرر الأسطورة، التى عاش عليها إبراهيم الفقى، ولا يأتى بجديد فلماذا تعيد زوجة الأب الروحى رواية الأسطورة كما هى إلا إذا كانت ما زالت تبيض ذهبًا! والحقيقة أن أساطير إبراهيم الفقى تبيض وتلد وتحكم أيضًا، فنحن تحت حكم التنمية البشرية بالكامل. وكما حكيت من قبل مات إبراهيم الفقى ببؤس كامل. بائع روشتات السعادة غادر الدنيا وحيدًا غارقًا فى مشاعر برد لا توقفها أكثر من مدفأة. وهو أيقونة البحث عن القوة والدفء من الداخل. الحريق أكل البيت وصاحبه بشرارة كهربائية. إبراهيم الفقى هو داعية التنمية البشرية. وحامل توكيلاتها من بلد المنشأ: أمريكا. حكايته عن ذاته تبدأ من ذروة مضمونة تتقطع عندها قلوب المصريين وتلمس أوتارهم الحساسة. فالفندقى الناجح سافر إلى كندا (لماذا؟) وعمل فى جلى الأطباق (رغم أن هذه من سرديات السفر إلى أوروبا فى السبعينيات والثمانينيات، لا التسعينيات) وتغلب على كل ذلك وحصّل (اصطاد) دكتوراه (تشكك مواقع متعددة) وكما قال على صفحته الشخصية سجل علمين جديدين هما: علم قوة الطاقة البشرية وعلم ديناميكية التكيف العصبى. إبراهيم الفقى مندوب مبيعات فى صورة «حارس أيديولوجى» لدولة تبحث عن إدماج لطيف لمواطنيها فى الماكينة. يعيد إنتاج التربية العاطفية عن المواطن المذنب.. الفرد الذى يحتاج إلى إصلاح.. هنا تلتقى سلطة العائلة مع سلطة الدولة بمؤسساتها كلها (أجهزة أمنية وإعلامية وعاظ ودعاة ومراقبى الحريات الشخصية) كل هذه السلطات تحاصر الفرد من لحظة اليقظة إلى المنام، من الميلاد إلى الموت. الفرد مذنب/ يفسد حياته/ ويدمر المجتمع. ف«ابدأ بنفسك» و«ابحث عن الطاقة الإيجابية داخلك».. إلى آخر خطابات «التنمية البشرية» التى تبدو كتالوج الاندماج والتوافق مع الماكينات الهدارة. من دون وقفة لإصلاح الماكينات أو إعادة ترتيبها أو تفكيكها. كيف تصنع سعادتك بمفردك؟ كيف تعتبر أن خلاصك سيكون «بالحب» تجاه البشرية تلك المحبة البلهاء التى تفرغ النظام الاجتماعى من صراعاته وأيديولوجياته لتبقى الأنظمة قدرًا لا يمكن تغييره. وعليك أن تدخل فى حجرات التأمل واليوجا بحثًا عن الصفا وتبحث عن شبكات الQ لتصبح مليونيرًا. سعادتك طريق فردى مطلق. تلغى فيه فرديتك بكتالوجات إبراهيم الفقى، التى أصبحت مع توغلها الرهيب فى المجتمع الطريق المعتمد للسلطة. فعلًا مصر ستعيش سنوات تحت حكم التنمية البشرية/ لا أيديولوجيا/ولا مؤسسات/ ولا منظومة علاقات/ فقط عليك أن «تصلح من نفسك» فسينصلح الكون كله. تلغى الفردية مع تدجينها فى إطار تسييد منطق «التوافق» مع السائد والحالى ومواجهتها بتحضير طاقة من داخلك تحضيرًا يشبه تلك العفاريت التى كانت تتقافز حول إبراهيم الفقى فى محاضراته الطويلة.