«..ولا يهمك..».. لا غرق المراكب فى النيل يهز شعرة من رأسك.. ولا اختفاء السيولة من أيدى القطاعات العريضة من الشغيلة والصنايعية وعمال اليومية.. ولا ارتفاع العجز فى الميزانية.. ولا وصول الاحتياطى النقدى إلى مرحلة الخطر.. ولا عدم وضوح رؤية اقتصادية أو سياسية أو غيابها من الأساس. لا يهمك.. فكل الذين تشغلهم هذه القضايا أو يستخدمونها مادة لجلساتهم أو حواراتهم.. سينسون كل ذلك بالقبض على برديس.. وشاكيرا.. ومطاردات الملحدين.. ومحاكمات ازدراء الأديان.. لهذه الأخبار فعل السحر.. إنها أفيون الشعوب المتعبة.. سيخلدون إلى النوم سعداء يشعرون بالقرب من الله وبقرب إزالة الكرب عن البلد التى أصيبت بالهم والغم بسبب هؤلاء «الفسدة الفجرة». وهذا وحده دليل نجاح مزارعك فى تكوين حراس لفاشية صغيرة فى كل مكان/ فإن تنظر إلى سلوك الآخرين من حولك بدلا من أن تطلب تغيير سياسات.. أو تغضب لفشل حكومة أو غيرها من تلك المنغصات التى جعلت صناعتكم تبور بعض الشىء.. فى تلك الأيام التى كان فيها الطلب على الحرية والعدالة والكرامة.. له سوق. عزيزى لا تنسَ نصائحى القديمة لك: 1- أقنعهم بأنك حارس الأخلاق. 2- وأنه ليس مهما أن تمنع الجرائم ما دمت تقبض على شخص بتهمة ازدراء أديان أو تحبس مؤلفا لأنه سأل: أين الله؟ أو تحرض مشايخك وأذرعتك فى الفضائيات لإقامة زوبعة على عرض فيلم. 3- كلها أشياء فى متناولك وستنال تصفيقا من جموع حائرة فى حياتها، وما زالت تتصور أن سب ما نعانيه هو الخروج عن كتالوج الأخلاق. 4- هؤلاء جمهورك/ المؤمنؤن بنظريتك.. فحافظ عليهم وغذِّ أفكارهم كل يوم بإشعال غدد الفاشية وهرمونات الرقابة. 5- الرقابة كما تعرف هى الإعلان عن السلطة لا إعلان وجود الأخلاق.. إعلان أن هناك من احتكر المنع ويستطيع أن يقول لك ما هى حدود الأخلاق. 6- جمهورك هذا يخاف من الحرية.. ومن تحمل تبعاتها فى الوقت الذى ليس لديه مانع من الانفراد بكل الذى تمنعه فى غرف سرية.. ألم تجرب أنت نفسك التلذذ بالممنوع فى غرفتك السرية؟ 7- هنا لا بد من المحافظة على أن تكاد المسافة بين الحرية والابتذال.. تساوى صفرا. 8- وساعتها فإن كل من يتكلم عن الحرية سيرد عليه جمهورك تريد الدعارة والشذوذ. 9- ضع على الحرية علامات اللعنة. 10- واجعل هجومك وتعديك على الحرية الشخصية.. له سحر «الفعل النبيل..» إنك فى حرب من أجل الأخلاق.. وماذا يعنى أن تهاجم حفلة خاصة وتسمها فى صحفك «القبض على تنظيم الجنس الثالث»؟ أو ماذا يعنى أن تجبر شخصا على تكسير زجاجة ويسكى؟ أو أن تسأل بريبة فتاة عبرت بكمينك «على فين؟».. سيعنى ذلك شيئا واحدا: أنك مقاتل أخلاقى. 11- سينسى الجمهور هنا أنك تعذب/ وتتعجرف/ وتحجز بسلطتك مكانا مميزا فوق المجتمع.. سينسون لك القتل والتعذيب.. والفشل فى استعادة سيارات مسروقة.. لأنك تعيد إليهم الأخلاق. 12- نعم ابحث عن فضيحة.. كلما تصاعدت الانتقادات عن عودة الانتهاكات والتعذيب فى الأقسام وأماكن الاحتجاز.. وستجد دائما صيدا ثمينا.. لن يتابع الناس أنها قضايا تافهة/ فشنك/ وسيبقى فقط أن عيونك تحمى أخلاقنا. 13- لا يشغلك من يقول إن الفصل فى المجالات هو لب التطور الفكرى وإن على الشيخ أن يلزم مكانه ويقول رأيه للمؤمنين به/ لكن أن يحول هذا الإصرار إلى قرار ضد الحريات/ فهذا استعراض للسلطات يفوق ما كان يمكن أن يفعله الإخوان/ لكن هذا ليس مهما وبدلا من أن تعامل الإخوان بعدالة ارتكب جرائمهم بتطرف/ وساعتها ستصبح المزايدة عليهم.. انتصارا فى معركتك معهم. 14- كل الطرق تؤدى إلى أن هذه الحوادث الصغيرة ستصنع منك «البابا الجديد» للدولة.. دولة الوصاية.. الدولة الأبوية.. نعم هى نفسها الدولة من أيام الخليفة العثمانلى إلى الرئيس المفدى.. وهو نفسه المجتمع الذى يلعن الأب الحاكم لكنه يعبده.. واسأل أى محترف للبضاعة المهربة سيقل لك: لا بد من الرقابة لتحمينا. هذه ليست شيزوفرينيا.. فالآباء يربون زبائنهم. والأبوية تنتج جمهورا متلهفا عليها.. وهكذا يرتبك العبيد.. لحظة فتح البوابات.. ويهتفون ودموعهم تنسال: أين بابا؟