وأنت تشاهد أسراب طائرات «الرافال».. سيجتاحك شعور بالعظمة ربما.. لكن بعد قليل وإذا فكرت قليلا فإنك ستنسى المشهد كله وتغرق فى ما يحدث على الأرض. إذا استمر الشعور بالعظمة بعد هذا التفكير فإن هذا ما يسمى فى الأدبيات الطبية «بارانويا» أو جنون العظمة.. وهو مرض عقلى يصيب الإنسان بعد سيطرة شعور أنه عظيم، ولهذا فهو مضطهد، وهذا التصور يسيطر عليه إلى درجة أنه يفسر كل شىء من هذه الزاوية، وتنتابه هذيانات وضلالات تمنعه من رؤية الواقع. وهنا يمكنك أن تفرح بزئير الرافال فى سماء القاهرة، وبعيدا عن الجدل حول الصفقة، فإن هذا الفرح لا يمنع من أن ترى ما وصلت إليه «الدولة» التى من المفروض أن تضيف الطائرة الفرنسية قوة للدفاع عنها. أين هذه الدولة؟ ستدرك إذا كنت موضوعيا فى الإجابة عن السؤال أنها تتآكل من الداخل، تأكلها قوارض كتبت عن أخطارها فى مقالات سابقة. لكن الآن قوارض الدولة أمر واقع، الذين التهموا الدولة 30 سنة أيام مبارك/ عادوا فى ظل غيبوبة جماعية/ بسبب الخوف من الإخوان/ واحتلوا أماكنهم من جديد/ والمدهش أن الدولة التى سقطت بسببهم مرة تتركهم وأياديها مرتعشة/ وتحت ابتزاز متواصل من جمهور القوارض والقطاعات المستفيدة منها/ فأن تظهر فى برنامج أو تعمل فى صحيفة مخبرًا أو تتصل بضابط ليسهل لك الحصول على رخصة قيادة سيارة أو تقضى ساعات تسلية مع صديقك فى الكمين أو تضمن فرصة من فيض الأموال التى تغرق المجال السياسى ليطفو على مياهها الفاسدة مرشحون أو حالمون بالفرصة السياسية/ كل هذا بمنطق الأنانية المفرطة أهم من بناء دولة جديدة/ أو حتى ترميم دولة قديمة/ والإفراط فى الأنانية لا عقل له. إنها غريزة تلتهم صاحبها، تمنعه من إدراك أنه يدمر المعبد كله فوق رأسه ورؤوس الجميع/ ولكم فى خيرت الشاطر عبرة لمن لديه خمس دقائق ليفكر قبل أن ينعم بالدخول فى قطيع يصفق لقوارض الدولة، ومن بينهم: 1- المتغطرسون أو من يتصورون أن الشعب المصرى «لازم يمشى بالجزمة»، عند هؤلاء ترتعش الأيادى، تصاب بالشلل فى مواجهة هذه السلالة من وحوش السلطة التى أطلقتهم على الشعب يصيبونه بالرعب ليسعدوا هم بافتراس البلد قطعة قطعة. لماذا ترتعش الأيادى أمام طائفة «الجزمة» المتباهية بنفسها إلى درجة تقنين ضرب الناس بنفسها؟ 2- المنفوخون بالسلطة ويتصورون أن هيبتهم هى القانون، يحولون عبور الناس الطرق فى الليل إلى مأساة يومية/ يطبق القانون حين يريد أن يكدرك/ ويستخدم كل سلطاته فى تحويلك فجأة إلى فأر صغير/ ابحثوا عنهم فى الكمائن، إنهم يحولونها من وسائل لحفظ الأمن إلى مصائد للتسلية واستعراض ذواتهم الناقصة أو تعويض هذا النقص بتكدير عباد الله العابرين/ وإلا لماذا تنجح كمائن الأمن فى إشعار الناس بالقهر ولا تحقق الأمن؟ فكروا مرة فى مَن السبب، ولماذا لا يمكنكم الحفاظ على الأمن، بدلا من التفكير فى مزيد من السلطات وتغليظ العقوبات، فكروا إذا كانت إرادتكم تحقيق الأمن، لا قهر الشعب مقابل أمن وهمى، لماذا ترتعش الأيادى فى مواجهة محترفى الاستعراض فى الكمائن؟ 3- القتلة بالملابس المدنية/ الذين قتلوا الثوار أو الأقلية التى حاولت إنقاذ الدولة/ فى مختلف مراحلها/ قتلوا حتى باسم الإخوان الذين يطاردونهم اليوم فى كل مكان/ ومن أجل حماية أنفسهم من القتل يضغطون لتتحول الشرطة أو تعود قاهرة للشعب، وهذا ما لن يحدث بعد ليلة الهروب الكبير فى 28 يناير/ لكن سيحدث مزيد من الاحتقان/ والتصور أن السلطة تحمى القاتلين باسمها وتضعهم فوق القانون وهم يحولون الأجهزة الأمنية إلى مخابئ محصنة بالقوانين. 4- المرتشون من موظفى الدولة الذين يحولون القانون إلى سبوبة/ يلوحون بها قبل فتح الأدراج أو الجيوب أمام الرشى/ الإتاوات التى تحول الدولة إلى قناص/ قرصان يجمع الجبايات خارج القانون/ ويرتب الناس حسب قدراتهم على دفع الإتاوات، لماذا ترتعش الأيادى أمام القراصنة فى المصالح الحكومية؟ 5- المخبرون فى أدوارهم المختلفة/ الصحفى والمحامى والمذيع والباحث وضيف البرامج/ والخبير الاستراتيجى المرسل من جهات أمنية، تلك القبيلة التى تسمى شعبيا «الأمنجية»، وهى قبيلة مميزة فعليا وتحتل أماكن ومواقع مهمة فى البلد/ قاطعة الطرق على المستحقين للفرص فى إهدار متواصل للعدالة وسيطرة محكمة على المنافذ لعدم وصول الكفاءات أو المواهب إلا من يملك مرونة الدخول فى دورات تدريبية على «كيف تكون مخبرا ناجحا». هل سيترك القوارض شيئا لتحميه الرافال؟