احتشدت لكتابة زاوية اليوم، وفى نيتى التعليق على آخر وأحدث آيات المسخرة والعربدات الإجرامية اليومية التى تمارسها «جماعة الشر» فى مصر حاليا دولة ومجتمعا، وأقصد واقعة اختطاف زميلنا الصحفى الشاب أحمد أبو القاسم مساء الثلاثاء وبقائه أسيرا، حتى أصدر قضاتنا الأجلاء الشرفاء فى النيابة العامة عصر أمس قرارا (رغما عن معالى «النائب الخصوصى» لفضيلة الشيخ مرسى) بالإفراج عن الزميل أحمد من سراى النيابة وبغير ضمان، لكنى بسبب اضطرارى إلى انتظار انتهاء التحقيق مع الزميل، قررت إرجاء رواية وقائع هذه المسخرة والتعليق عليها إلى الغد، لكى أتمكن من تسلية القراء الأعزاء بتفاصيل قد تبدو كوميدية جدا بقدر ما فيها من إجرام ومأساوية، أما اليوم فسأكتفى بسطور نشرتها قبل عامين بالتمام والكمال وأراها تصلح مقدمة ممتازة للمهزلة التى كابدها زميلنا العزيز.. فإلى السطور القديمة: فى آخر مرة تمتعت فيها بالإقامة المجانية فى سجون عصابة الأستاذ حسنى مبارك، حاورنى عنوة ضابط من قطعان مباحث أمن الدولة، وفى سياق كلامه المنقوع فى اللزوجة وجدته يسألنى فجأة متوسلا بنوع من التذاكى الغبى: ألست ناصريا ويساريا؟ قلت نعم، أنا كذلك فعلا ما لم يكن لجنابك رأى آخر. لم يفهم الشطر الثانى من إجابتى، فاضطررت إلى تكرار الشطر الأول فقط، غير أنه عاد وسألنى بينما شبح ابتسامة صفراء يظلل وجهه الكئيب.. طيب وهوه فيه رجل ناصرى يسارى يكتب مدافعا عن «الإخوان» كما تفعل أنت؟!.. استعبطت وقلت له: أى «إخوان» تقصد؟! - الإخوان المسلمين يا أستاذ.. كيف وأنت الناصرى تدافع عن هؤلاء الناس؟! هكذا هتف متصنعا الانفعال والحماس، فقررت أن أغيظه وأسلى نفسى قليلا فجاوبت على الفور سؤاله بسؤال: وهل عند سعادتك «كتالوج» بمواصفات الناصريين واليساريين يخلو من الدفاع عن حق «الإخوان» أو غيرهم فى التعبير عن أفكارهم وآرائهم، حتى لو كانت هذه الأفكار والآراء تختلف أو تتصادم مع أفكارنا ومواقفنا؟! وما زلت أذكر أننى أنفقت وقتا طويلا جدا مع هذا الرجل المباحث وأنا أشرح له معنى كلمة «كتالوج» ومعنى صياغة سؤالى على هذا النحو.. وبعد طول عناء وجدته يكذب ويطمأننى بأنه فهم خلاص، ثم أراد أن يلقمنى حجرا فهتف: يا أستاذ «الإخوان» اللى إنت بتدافع عنهم دول، لو وصلوا للحكم ح يدبحوكم من غير رحمة. تجاهلت غباوته المتأصلة وجهله العميق وقلت له بمنتهى الجدية ما معناه: - هناك مشكلة حقيقية أعانى منها وأنا أتكلم معك الآن خلاصتها أننى وأمثالى، وجنابك وأمثالك نكاد نكون من كوكبين مختلفين يسكنان فى مجرتين تسبحان بعيدا عن بعضهما فى هذا الكون الفسيح، لهذا فجنابك لن تفهمنى أبدا.. ومع ذلك دعنى أقل لك إننا لسنا كهؤلاء الذين تعمل حضرتك فى خدمتهم.. فأمثالنا يؤمنون إيمانا صادقا وعميقا بقيم الحرية التى جوهرها التنوع والاختلاف وكفالة حق الجميع فى التعبير عما يعتقدون، مهما كان حجم اختلافنا أو تناقضنا مع هذه المعتقدات.. هذا حق إنسانى أصيل لا بد أن يمارسه الناس جميعا بغير قيود ولا موانع أو حدود، إلا أن يصطدم بمبادئ وقيم عليا أخرى مثل نبذ التحريض على العنف والكراهية أو التمييز بين خلق الله، على أساس اختلاف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم وأديانهم وعقائدهم.. هل سمعت مرة بتلك العبارة التى يقول منطوقها: أنا مستعد أن أدفع حياتى ثمنا لحقك فى إبداء الرأى الذى قد أختلف معه أو يناقض معتقداتى وأفكارى؟! هكذا سألته ونظرت إلى سحنته الشمعية الباردة فوجدتها زادت برودة وانحفرت عليها ملامح تناحة وبلاهة أضحكتنى، لكنى قطعت الضحكة وباغتُّ الرجل المباحث بسؤال آخر كانت إجابته أول وآخر كلام صادق يتلفظ به فى كل هذا الحوار العقيم.. قلت له: - إذا وصل الإخوان إلى السلطة ودبحونا كما تقول أين ستقف أنت يا ترى؟ معنا أم معهم؟ - يا أستاذ إحنا دايما مع اللى بيحكم.. يعنى سوف ننفذ أوامرهم ونذبحكم ذبحا حلالا إن شاء الله!! انتهت السطور القديمة، وغدا ستكتشف أن «الحكمة» ممكن أخذها من أفواه المخبرين.