مازالت هناك العادات التى تتعلق بالطقوس اليومية لشهر رمضان اهمها إذاعة وسيطرة عدد من أغانى «التراث» التى تعتبر لا غنى عنها قبل حلول الشهر وفى لحظات وداعه، حتى مع وجود عدد من الأغانى للجيل الحالى لعدد من المطربين، أبرزهم الكينج محمد منير «وحوى يا وحوى»، وتامر حسنى «تعالوا نصوم»، لكن بمجرد حلول الشهر الكريم ترى رواد الشارع وساكنى البيوت يتغنون بأغانٍ مر عليها أكثر من 60 عامًا، لاستقبال شهر رمضان وفى وداعه أيضًا، ولا تتوقف وسائل الإعلام طوال الشهر عن عرض هذه الأغنيات، لأسباب تتعلَّق إما بقيمتها الفنية عند الجمهور، وإما لإضفاء الجو الرمضانى. فى مقدمة تلك الأغانى رائعة «رمضان جانا» التى تمثِّل أيقونة رمضان «فى نفوس المصريين» مطلع الشهر، لما تمثّله من موسيقاها المبهجة وكلماتها التى كتبها حسين طنطاوى، ولحّنها الموسيقار الكبير محمود الشريف، وغنّاها الفنان محمد عبد المطلب، ولم تستطع أى أغنية على الساحة إزاحتها حتى مع تطوُّر المزيكا واستخدام الآلات المختلفة. خلال الأيام الأولى أيضًا تسيطر أغنية «مرحب شهر الصوم»، كلمات محمد علِى أحمد، وألحان وغناء الفنان عبد العزيز محمود، والتى تحمل بطيَّاتها من المعانى الجميلة لذكريات رمضان وحواديته، وقد أضفى صوت عبد العزيز محمود لهذه الأغنية جوًّا من الروحانيات الذى جعل رمضان له مذاق خاص لدى المصريين. لا نستطيع أن نغفل دور أغنية «أهو جِه يا ولاد»، كلمات الشاعرة نبيلة قنديل، وألحان زوجها الموسيقار الكبير علِى إسماعيل، فى رسم البهجة والابتسامة على وجه المصريين، وأصبح الأطفال يرددونها فى كل شوارع مصر مع حمل الفوانيس مرحبين بقدوم الروحانيات. وفى آخر أيام رمضان تتداول على الآذان كلمات «تم البدر بدرى والأيام بتجرى والله لسه بدرى يا شهر الصيام»، مطلع الأغنية يحمل بداخله معانى التأثر بمرور أيام الشهر الفضيل سريعًا، كتبها عبد الفتاح مصطفى، ولحّنها عبد العظيم محمد، وغنّتها شريفة فاضل، وعادة ما تُذاع هذه الأغنية فى أواخر أيام شهر رمضان، معلنة بذلك قرب انتهائه، ليظل فى نفوس الجميع طابع مميز. محاولات كثيرة أجراها نجوم هذا الجيل لتقديم أغنيات تضاهى ذلك المضمون والمحتوى الذى يرتبط به الجمهور، لكن كل المحاولات لم تستطع أن تشغل العقل مثل هذه الأغانى، فقد سيطرت الأغانى القديمة على كل وسائل الإعلام المرئى والمسموع فى شهر رمضان. وفسّرت الدكتورة ياسمين فراج، الأستاذ بأكاديمية الفنون والناقدة الموسيقية، أن ذلك الأمر يرجع إلى أننا شعب «موضوى»، أى يحب الماضى ومرتبط بكلاسيكياته، ونحب لقب فن الزمن الجميل، لذلك نتعلَّق بالأغنيات القديمة، نحن لن نستطيع تفسير الأغانى الموجودة حاليًّا أو مدى تعلّقنا بها من عدمه، لأن الذى سيقر هذا الأجيال القادمة وسيطلقون على جيلنا الفن الجميل. وأضافت أن السبب الثانى أننا نفتقد العمل الجماعى فى تقديم الأغنيات، ويجب أن تتوافر هذه الطريقة بين العمل الواحد، وليس شرط نجاح أغنية لمطرب أن يترتب عليها نجاح كل أغنية يقوم بتقديمها نفس المطرب، بل ما يتوافق مع الأغنية وكلماتها وأدائها حتى نستطيع إنتاج عمل يخلد. ورأى الملحن حلمى بكر، أن تلك النوعية من الأغانى لا يمكن تكرارها مرة أخرى، كونها أغنى تراث خرج من الحارة المصرية، لذلك تظل راسخة فى الوجدان.