أسدى وزير العدل المستقيل، المستشار محفوظ صابر، خدمة جليلة إلى الشعب المصرى عندما تحدَّث بصدق وعفوية عن عدم صلاحية ابن الزبال لتولِّى منصب القاضى، دفع الوزير ثمن صراحته، ولكنه فى نفس الوقت وضع الكرة فى ملعب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وجمعيات حقوق الإنسان وكل المفكرين والأدباء والمهتمين بالعدالة الاجتماعية والمطالبين بحصول المواطنين على حقوقهم. لقد أعطانا الوزير فرصة لفتح الملف الشائك الذى سكتنا عنه سنوات طويلة، فهل ننتهز الفرصة ونناقش قواعد التعيين والقبول، ليس فى القضاء فقط، لكن فى كل الأماكن والوظائف المهمة والتى أصبح التوريث فيها أمرًا لا يصدم أحدًا وواقعًا لا يستنكره المجتمع، أم نكتفى باستقالة الوزير من منصبه، ونعتبرها انتصارًا كبيرًا ونحتفل بفوزنا فى هذه المعركة، ونقول لأنفسنا «عملنا اللى علينا وأجبرنا الوزير على الاستقالة»، إذا اكتفينا بذلك فهذا انتصار زائف ليست له قيمة، وكل ما سيحدث أن يأتى وزير آخر كيّس فطن يجيب عن الأسئلة بلباقة ويتهرَّب من قول الحقيقة ويقول كلامًا طيّبًا عن الفرص المتساوية للجميع، ويبقى الحال على ما هو عليه، ابن عامل النظافة وأمثاله لا يحصلون على وظائف يستحقونها وأبناء غير الحاصلين على مؤهلات عليا، مثل الفلاحين والعمال والموظفين البسطاء، يتم استبعادهم من العمل بالقضاء، وهكذا تتبدَّل الوجوه والأسماء وتبقى السياسات والقواعد الظالمة، استقالة الوزير مجرد خطوة بسيطة على الطريق، والمعركة الحقيقية هى تقنين قواعد عادلة تعطى كل ذى حقٍّ حقَّه وتطبّق النصوص الدستورية الخاصة بالمساواة بين المواطنين بدلًا من وضعها فى الثلاجة، نعم نحتاج إلى جهاد من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية الواردة فى الدستور، حتى تكون حقيقة واقعة وليست ورودًا نزيّن بها دستورنا دون أن نعمل بها، وإذا كان لا أمل فى أن يقوم القضاة بأنفسهم بتصحيح الوضع الخاطئ فى محراب العدالة بعد أن تعدَّدت التصريحات التى تجعل من القضاة طبقة فوق الأمة، وتستبعد فصائل عديدة من شرف الالتحاق بالهيئة القضائية، وهو نفس ما يحدث كذلك فى مؤسسات وهيئات أخرى تمارس التمييز فى تعييناتها، فإنه لا مفر من أن نقوم بأنفسنا بتعديل هذا الوضع المعوج، ولهذا فإننى أتمنى أن تقوم القوى السياسية والمجتمع المدنى والمفكرين وكل طوائف المجتمع بدورها، وتطالب الرئيس بإصدار قانون تجريم التمييز فورًا، وعدم انتظار انعقاد مجلس النواب، فالأمر لم يعد يحتمل التأجيل، على أن يتم استبعاد مشروع القانون الذى أعدَّته وزارة العدالة الانتقالية وتمت مناقشته فى المجلس القومى لحقوق الإنسان منذ عدة أسابيع، وكانت هناك ملاحظات جوهرية عليه لوجود العديد من الثغرات فى عدد من مواده تؤدّى إلى تقنين التمييز بدلًا من تجريمه، لدينا العديد من المشروعات التى أعدَّها عدد من منظمات المجتمع المدنى يمكن مناقشتها وطرحها للحوار المجتمعى للوصول إلى أفضل الصيغ الملائمة والتى تحقِّق العدالة، هذا القانون إذا صدر فإنه سيؤدِّى إلى إحساس المواطنين بأن الدولة تكفل حقوقهم بالفعل، وأن الدستور ليس حبرًا على ورق وإنما صدر ليُطبَّق وليس لوضعه على الرف، كما أنه يحل كل مشكلات التمييز فى المجتمع ليس فى تعيينات القضاة فقط ولكن فى كل المناصب المميزة، مثل الشرطة والجيش والخارجية وشركات البترول والكهرباء والاتصالات والبورصة، وغيرها من الوظائف ذات الدخل المرتفع، والتى أصبحت حكرًا على أبناء الأثرياء وأبناء العاملين بها، كما أن هذا القانون سيقضى على التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الوضع الاجتماعى، ووقتها لن نجد مَن يقف ضد بناء كنيسة أو يرفض تعيين امرأة أو يستنكر حصول ابن عامل نظافة على حقّه، لقد أعطانا وزير العدل المستقيل هدية يجب علينا استغلالها من أجل إصدار هذا القانون، وإذا رفضناها وأضعنا الفرصة فلا نلومن إلا أنفسنا، لقد أصدر الرئيس عددًا كبيرًا من القوانين فى غيبة البرلمان لدواعى الضرورة، ولكن قانون تجريم التمييز أصبح الآن الأكثر ضرورة من أجل استقرار المجتمع.