كتب- صابر العربي وأمين خير الله وصلاح لبن وأحمد سعيد حسانين وأحمد البرماوى: اسودَّت شاشة التليفزيون المصرى بعد أسابيع من قطع الإرسال عن مدينة الإنتاج الإعلامى، وعلى الرغم من اختلاف السبب والمتسبب عن الحادثتين، فإن الإهمال واحد وينذر بكارثة. انقطع إرسال ماسبيرو، فهاجت الدنيا على رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون عصام الأمير، الذى اعتذر بكل الطرق عما حدث، واعدا حكومة محلب بالتحقيق، ومعاقبة المتسببين فى ذلك، بينما تصاعدت المطالب بعودة وزارة الإعلام. «الكهرباء» هى الأخرى سارعت بنفى التهمة عن نفسها، وقالت إنها بريئة من تهمة «قطع التيار» عن مبنى الإذاعة والتليفزيون، إلا أن التخبط وصل مداه فى الوزارة، حتى اتهم البعض «طائرة ورقية» بالتسبب فى قطع التيار مما دفع الوزارة إلى أن تصدر بيانا أمس تؤكد أن الطائرة الورقية بريئة مما حدث! لكن رغم كل هذا يبقى أنه لا شك أن الواقعة التى لم تستمر سوى نصف ساعة فقط، تكشف مدى الإهمال والتقصير فى أحد أهم أماكن الدولة حيوية. «الكهرباء»: تزامُن انقطاع التيار عن ماسبيرو وعطل الدائرة «220 ك.ف» صُدفة وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، قطع زيارته للمملكة العربية السعودية أول من أمس السبت، لمتابعة أمر انقطاع التيار الكهربائى عن مبنى الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، وعاد مع الوزير رئيس الشركة القابضة للكهرباء، المهندس جابر الدسوقى، وذلك لتقديم تقرير مفصل عن الواقعة لرئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب. بدورها، أصدرت وزارة الكهرباء بيانا توضح فيه ما حدث تفصيليا من انقطاع التيار الكهربائى فى «ماسبيرو»، مساء أول من أمس السبت، فى تمام الساعة 4.55، واستمر لمدة 35 دقيقة فقط، حيث اتضح أن الانقطاع نتيجة لعطل داخلى بالمبنى، ولا علاقة له بشركة جنوبالقاهرة لتوزيع الكهرباء، وقد تزامن ذلك الحدث مع حدوث ذبذبة بخروج لحظى للدائرة «220 ك.ف»، توليد شمال القاهرة وهيليوبوليس. وتبين أن العطل يرجع إلى تعطل الشاحن الرئيسى «DC» والبطاريات بمبنى التليفزيون القديم، مما أدى إلى عدم دخول الخط الاحتياطى «عدم تشغيل المولدات الاحتياطية» ومن ثم انقطاع التغذية الكهربائية عن استوديوهات الهواء والمحطات الرئيسية بهذا المبنى. وقد قام على الفور فريق عمل مشترك من شركة جنوبالقاهرة لتوزيع الكهرباء وفنيى التليفزيون بالمبنى بعمل اللازم، وتوصيل تغذية دوائر التيار المستمر من مصدر بديل، وتشغيل اللوحة الأوتوماتيك، وتأمين التغذية الكهربائية، بالإضافة إلى أنه تم الدفع فى الحال بماكينات الطوارئ (مولدات احتياطية) تابعة لشركة جنوبالقاهرة لتوزيع الكهرباء، لحين التأكد من إصلاح العطل بشكل كامل وعودة الأمور إلى طبيعتها. وشدد بيان الوزارة على أنه تتم تغذية ماسبيرو بالكهرباء، من خلال 3 محطات محولات (محطة السبتية القديمة والجديدة ومحطة معروف)، وبه 3 موزعات» 4 لوحات حلقية، علاوة على المولدات الاحتياطية للمبنى، وأحمال المبنى تصل إلى 5 ميجاوات. ومن جانبه، قال رئيس شركة جنوبالقاهرة لتوزيع الكهرباء، إن «ماسبيرو» من منشآت الدرجة «الأولى» التى لا يتم تخفيف الأحمال عنها أو قطع التيار بأى حال من الأحوال، والعطل داخلى فى الشاحن الخاص بالوحدة الرئيسية للتغذية بالمبنى القديم، فنتج عنه تعطيل إمداد الكهرباء من كل الخطوط، المغذية للمبنى والبالغ عددها 6 خطوط. عبد العزيز، أضاف ل«التحرير»، أنه أرجع المولدات الكهربائية لإنارة المبنى، وهى فى الطريق إلى «ماسبيرو»، مشيرا إلى أنه «مع انقطاع البث حركنا المولدات، ولكن عندما وضعنا أيدينا على العطل الخاص بالشاحن داخل اللوحة الرئيسية بالمبنى القديم، تم الإصلاح وإعادة التيار من جديد، كاشفا عن أن هذه الإصلاحات لا تختص بها شركة الكهرباء، بل إن مبنى ماسبيرو، له مهندسو الصيانة وفرق الصيانة الخاصة به، وهى المسؤولة عن هذه الإصلاحات، وشركة جنوبالقاهرة تولت الإصلاحات لتأمين المبنى. وفى السياق ذاته، قال مصدر مسؤول بوزارة الكهرباء ل«التحرير»، إن دائرة شمال هليوبوليس تتعرض لهزة يوميا، لأن هذه الدائرة تمر عبر عدد من المناطق السكنية، وما تم اكتشافه هو أن طفلا كان يلعب ب«طائرة ورقية»، والطائرة وقعت على الدائرة، فهذا الأمر، نتج عنه خروج الدائرة لدقائق، وعادت من جديد، فضلا عن وجود بدائل فى الدوائر يتم نقل الحمل عليها «فورا»، فى حالة خروج الدائرة، مشددا على أن خروجها لم يؤثر بأى شكل من الأشكال على الأوضاع فى شبكة الكهرباء، ولم تؤثر على مبنى ماسبيرو، والعطل فى «ماسبيرو» داخلى ومن المبنى. واستنكر المصدر التصريحات الرسمية الصادرة عن الوزارة، عن الإشارة إلى وجود هزة فى دائرة هليوبوليس، لأن هذا الأمر ليس له علاقة بما حدث فى «ماسبيرو»، حتى لا تحدث بلبلة وإثارة للرأى العام. الإطاحة بعصام الأمير.. ثمن الفضيحة عقب واقعة انقطاع بث قنوات وإذاعات ماسبيرو، اعتذر المهندس المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء للشعب المصرى، مبديًا انزعاجه الشديد مما حدث، متوعدا المتسبب فى هذه المشكلة بالعقاب الشديد. بينما أعلن عصام الأمير رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون والقائم بأعمال وزير الاعلام مباشرة أنه على استعداد لتقديم استقالته للرئيس فى حال ثبوت التقصير من داخل المبنى، وأنه سيتحمل المسؤولية كاملة. علمت «التحرير» من مصادرها أن هذه الحادثة ستكون بابا للإطاحة بالأمير من رئاسة ماسبيرو، ومن ثمّ عودة حقيبة الإعلام مرة أخرى، خصوصا أن المؤشرات تؤكد قرب عودة أسامة هيكل رئيس مدينة الإنتاج لمنصب وزير الإعلام مرة أخرى، خصوصا بعد إدارته أزمة انقطاع الكهرباء بشكل جيد فى مدينة الإنتاج الإعلامى، بالإضافة إلى دخول ياسر رزق رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الأخبار وصفاء حجازى رئيس قطاع الأخبار بماسبيرو فى دائرة الترشيحات أيضا، خصوصا أن المهندس إبراهيم محلب غير راض عن أداء الأمير منذ بداية تعيينه وحدث بينهما مشادات كثيرة. آخر أزمات الأمير مع محلب كانت عقب ظهور رئيس الاتحاد كضيف فى برنامج «حديث الساعة» للقناة الأولى، التى ظهر فيها أمام الجميع أنه يستقوى بالعاملين بالمبنى فى مواجهة وزير التخطيط أشرف العربى ورئيس الوزراء ضد رؤيتهما للهيكلة، واقترح الأمير فى البرنامج خطة أخرى للهيكلة غير التى اتفق عليها مع العربى ومحلب. أزمة أخرى واجهت الأمير مع محلب عقب رغبة عصام الأمير فى تعيين رئيس تحرير لمجلة الإذاعة والتليفزيون بعيدا عن اللائحة المتبعة فى المجلة، وتصدى له محلب، ورفض ترشيح الأمير أحد الصحفيين الذى كان يرغب فى تعيينه، أكدت المصادر عدم رضا محلب عن طريقة إدارة الأمير ملف الهيكلة، حيث ما زال يريد تطبيق وجهة نظره بعيدا عن الخطة المتفق عليها على الرغم من لفت انتباهه أكثر من مرة. من ناحيته يرى خالد السبكى مؤسس حركة الإعلاميين الأحرار ضرورة إقالة رئيس الاتحاد بسبب تقصيره ومرؤوسيه وتقاعسهم عن أعمال المتابعة المستمرة من الفنيين بالهندسة الإذاعية لصيانة الكابلات والتوصيلات الكهربائية، نظرا لتكرار انقطاع الكهرباء المتواصل من المنبع الرئيسى الذى أدى إلى احتراق «اللوحة الأم البوردة» الخاصة بالتحويل الذاتى للمولدات، مشيرا إلى أنه يجب هيكلة ماسبيرو من القيادات الفاشلة، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الذى يجب عليه الانسحاب من المشهد حاليا من نفسه حفظا لماء وجهه، لأنه هو المسؤول الفعلى عما حدث. من جانبه قال عامر الوكيل عضو لجنة وضع قوانين الهيئة الوطنية للإعلام، إن ما حدث فضيحة بكل المقاييس، وتجب محاسبة وإقالة المسؤول عنها. إعلاميون: انقطاع التيار عن ماسبيرو إهانة للدولة وفشل إدارى أثارت فضيحة انقطاع التيار الكهربائى فى مبنى ماسبيرو غضب خبراء الإعلام فى مصر خصوصا أنها وقعت بعد ما يقرب من شهرين من كارثة مدينة الإنتاج الإعلامى، وهو ما يكشف عن فشل مسؤولى التليفزيون المصرى، فى الوقت الذى انتهى فيه الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء من إعداد تقرير انقطاع الكهرباء فى ماسبيرو وقدمه للرئيس عبد الفتاح السيسى. من جانبه قال الخبير الإعلامى الدكتور صفوت العالم، إن كارثة انقطاع التيار الكهربائى لمدة 30 دقيقة عن ماسبيرو يكشف أن الإدارة فاشلة، وهذا النوع من الخطأ خطير ولا يجعلنا نثق بمسؤولى ماسبيرو، موضحا أنه توجد 3 بدائل كان يمكن من خلالها تجاوز الكارثة تتمثل فى وجود 3 محولات كان يمكن نقل الكهرباء من خلالها، فكان من الطبيعى أنه إذا حدثت مشكلة فى أحد المحولات يكون هناك محولان يتم العمل من خلالهما. وأشار إلى أن الواقعة هى صورة مماثلة لما حدث منذ شهرين فى مدينة الإنتاج الإعلامى، ولكن للأسف الشديد التليفزيون المصرى لم يضع فى حسبانه كيفية التغلب على مثل هذه المشكلات، ولم يتعلم من درس مدينة الإنتاج الإعلامى. وقال: «أريد تأكيد أن التليفزيون المصرى صوت الدولة والوطن، وما حدث هو إهانة لمصر، وهى مسألة أكبر من قيام عصام الأمير بتقديم استقالته، فهى مسألة تخصه، أما الواقعة فلا يمكن السكوت عنها». من جانبه أكد الخبير الإعلامى ياسر عبد العزيز، أن تسويد شاشات التليفزيون العام فى أى دولة مسألة خطيرة تتجاوز فكرة انقطاع الكهرباء عن مرفق حيوى. موضحا أن التليفزيون هو صوت الدولة ودليل قدرتها على مخاطبة العالم ومخاطبة مواطنيها، مضيفا أنه سواء كان الخطأ يتعلق بالكهرباء أو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة، فالنتيجة كارثية وعلى الدولة أن تعلن الخطة الواضحة لضمان عدم تكرار مثل هذا الأخطاء. كما طالب السلطات المعنية بإعلان نتائج التحقيقات بسرعة، وتوضيح سبب الأزمة وإيقاف التأويلات التى قد تكون خاطئة أو مبالَغ فيها. من جانبه قال أسامة هيكل رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى: «لا يمكن الحديث عن كارثة انقطاع التيار الكهربائى عن ماسبيرو إلا عندما تقول النيابة كلمتها، لأنها مسألة لا تخضع لوجهات النظر، بل قضية تُنظر أمام النيابة». فى الوقت نفسه أكد الخبير الإعلامى وعميد كلية الإعلام الأسبق سامى عبد العزيز، أن ما حدث أكبر بكثير مما يثار حاليا، قائلا: «الحدث أكبر من الجميع وأكبر من قدرة أى أحد على التفسير»، لافتا إلى أن القضية بحاجة إلى خبرة أمنية أكثر منها فنية وهندسية. وأردف عبد العزيز «أقدّر دوافع عصام الأمير فى ما قاله حول تقديم استقالته إذا كان هو المتسبب فى الواقعة، لأن ما حدث لم يملك ردًّا عليه، والحدث كبير وضخم». الكاتب الصحفى والأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة صلاح عيسى، قال ل«التحرير»، إن الحدث أخذ أكثر من حجمه، وظهرت فيه نسبة كبيرة من المبالغة، مشيرا إلى أنه فى نفس الوقت لا بد من تحديد السبب الرئيسى فى الواقعة. موضحا أن انقطاع البث عن ماسبيرو فى عالم أصبح مليئا بالفضائيات والإذاعيات لم يعد حادثًا يثير الضجة. وحذر عيسى من تكرار الحدث مرة أخرى، مشددا على ضرورة إجراء تحقيقات عادلة وشفافة فى القضية لمعرفة المتسبب الرئيسى وراء هذا الانقطاع للتيار الكهربائى. الكاتبة الصحفية كريمة كمال قالت فى تصريحات ل«التحرير»، إن ما حدث فى ماسبيرو أمر مرعب، وإن القطاع منذ إنشائه فى الستينيات لم يشهد مثل هذه الأمور، وهذه الكارثة هى الأولى من نوعها، وهو ما يثير الرعب والفزع، مضيفة «الناس لازم تتحاسب ونعرف مين السبب الرئيسى فى هذا الأمر». وأشارت كمال إلى أن الإهمال هو السبب الرئيسى فى هذه الواقعة، ولا توجد أى أسباب أخرى، موضحة أن أوجه التقصير واضحة فى هذه القضية. وعما قاله عصام الأمير بشأن تقديم استقالته إذا ثبت تقصيره، قالت: «هذا الأمر جيد، لأنه من النادر أن يُقبل مسؤول لدينا فى الدولة على تقديم استقالته، وأطالب بعمل تحقيق جاد يكشف المتسبب فى الواقعة».