جدّد مشروع قرار الكونجرس الأمريكى بتقسيم العراق -على أساس طائفي- إلى ثلاث دول، باستقلال إقليم "كردستان" الذى يتمتع بالحكم الذاتى حاليًا، وإنشاء دولة للشيعة وأخرى للسنة، حُلم عدد من الأقليات الطائفية فى الدول العربية بالانفصال والاستقلال عن الدول التابعين لها، وهو ما قد يتحقق نظرًا لتطابق هذه الطموحات مع الرؤية الأمريكية التى طرحتها كوندليزا رايس أثناء توليها حقيبة الخارجية في حكومة جورج بوش الابن، وأبرز هذه الدول، السودان، والمغرب، والعراق، وسوريا، واليمن. أولاً السودان دارفور: يعاني السودان من كثرة الحركات الانفصالية التى تهدف إلى تقطيع أواصل الجمهورية المكونة من خمسة أقاليم، هي ( الشمال، والغرب، والوسط، والشرق، والجنوب)استقل منهم الجنوب عقب الاستفتاء الشهير الذى أعلن نتيجته فى 9 فبراير 2011. ويقع السودان الآن تحت تهديد انفصال إقليم دارفور فى الغرب. مشكلة دارفور تعود أزمة إقليم دارفور إلى عام 1989 عندما قام البشير بالانقلاب على الصادق المهدى والاستيلاء على الحكم وفرض الشريعة الإسلامية على كافة الأقاليم، إضافة إلى غياب التنمية عن الإقليم الذى يتمتع بالعديد من الثروات الطبيعية، ولكن اللحظة الفارقة فى تاريخ إقليم دارفور عندما قامت قبائل الجنجويد العربية والمؤيدة لنظام البشير باستخدام مليشياتها لقمع الاحتجاجات وحركات التمرد التى تطالب بحق الإقليم فى التنمية الشاملة. وتتكون حركات التمرد فى دارفور من : أ- حركة العدل والمساواة. ب- حركة تحرير السودان. ج- حركة العدل والمساواة والتنمية. د- حزب التحالف الفيدرالى. وتطالب كل هذه الحركات بانفصال الإقليم أو الحصول على الحكم الذاتى على غرار ما حدث مع جنوب السودان من أجل تحقيق المطالب الآتية: * فصل الدين عن الدولة. * إنهاء حالة التهميش للإقليم وسيطرة الحكومة المركزية على كل شئ. * استفادة الإقليم من موارده التى تعود عليه فى التنمية بأدنى استفادة. * القضاء على حالة الاضطهاد العرقى ضد القبائل الإفريقية من سكان دارفور على يد قبائل الجنجويد العربية. ثانيا: المغرب أزمة الصحراء الغربية: يعتبر إقليم الصحراء الغربية من أكثر المناطق الذى يتمتع بالنزعة الانفصالية، لمطالبة سكانه المستمرة بالاستقلال وإقامة دولتهم، إلا أن وضع هذا الإقليم يختلف عن باقى مناطق العالم التى تطالب بالانفصال، حيث يعتبر هذا الإقليم منطقة نزاع بين العديد من الدول المجاورة إلى جانب قوة استعمارية قديمة من خارج القارة، حيث تعود جذور هذه الأزمة إلى حقبة الاحتلال الأسبانى لشمال غرب أفريقيا عام 1884، وقيام سكان الصحراء بالدفاع عنه ومقاومة الاحتلال حتى الانسحاب عام 1975، وعقب الانسحاب وجد الإقليم نفسه محل نزاع بين دول الجوار التى ادعت كل منها أحقيتها فى ضم الإقليم إلى أن نجحت المغرب فى ضم الإقليم كله عنوة بعد قتال عنيف بينها وبين الجزائر. جبهة البوليساريو جبهة البوليساريو هي المجموعة القتالية التى تم تشكيلها من سكان الصحراء الغربية، والتى كانت تتبنى مقاومة الاحتلال الإسبانى، وهى الحركة الانفصالية التى تحارب من أجل نيل الاستقلال عن المغرب وإعلان الجمهورية الصحراوية دولة مستقلة، وتستند الجبهة فى موقفها إلى حكم محكمة العدل الدولية فى عام 1975 باعتبار الإقليم مستقلاً ومن حق المواطنين الصحراويين -الذين يتجاوز تعدادهم 400 ألف نسمة- تقرير مصيرهم، إلى جانب انتماء نسبة كبيرة منهم للقبائل الأمازيجية ذات اللغة الأمازيجية أيضًا. ثالثًا: العراق والأكراد يعتبر الأكراد أنفسهم جماعة ذات هوية وقومية مستقلة تختلف عن باقى الأعراق والقوميات التى يعيشون فى كنفها على الرغم من أنهم يدينون بالإسلام، فهم جماعة لهم لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأصولهم التى ينحدرون منها، وجاءت أزمة الأكراد فى الأساس كباقى الأقليات التى تطالب بالانفصال عن البلدان التى يعيشون فى حدودها نتيجة اتفاقية ترسيم الحدود بين القوى الاستعمارية الكبرى –سايكس بيكو- التى لم تراع إعطاء إقليم محدد لتجميع شتات الأكراد وإقامة دولة مستلقة لهم. كانت كردستان هى الحلم الذى يسعى الأكراد لتحقيقه، ولكن هذا الحلم يصطدم دائما بسيادة الدول التى سيتم اقتطاع أقاليم بأكملها من أراضيها، حيث يستوطن الأكراد فى المناطق الشمالية من العراق، وشمال غرب إيران، وجنوب شرق تركيا، وشمال شرق سوريا، إلا أن أكثر الجماعات الكردية المطالبة بالاستقلال هي الجماعات الموجودة فى العراقوتركيا. ويعانى العراق كله من الصراعات العرقية والطائفية لا سيما عقب الاحتلال الأمريكى فى 2003 الذى كرس لزيادة الهوة فى العلاقات بين السنة والشيعة داخل العراق، مستغلاً بذلك سوء إدارة صدام حسين واضطهاده للشيعة والأكراد، الأمر الذى وصل إلى حد استخدامه لأسلحة الدمار الشامل لوأد تمرد الأكراد فى الشمال. وفى أعقاب حرب الخليج الثانية التى كانت البداية الحقيقية نحو تقسيم العراق والذى يبدأ من المناطق الكردية فى الشمال، حيث فرضت منطقة حظر الطيران على شمال العراق وأعطيت الصلاحيات الأكبر لحزب العمال الكردستانى، زاد الطموح الكردى بالحصول على دولتهم المستقلة عقب منح الأكراد فى شمال العراق الحكم الذاتى، إضافة إلى اندلاع أعمال العنف والحرب الأهلية القائمة فى سوريا، مما يسمح لهم بالحصول على الأجزاء الشمالية الشرقية من سوريا كبداية لدولة كردستان المستقلة. ويجد الأكراد الآن فرصتهم الذهبية لتحقيق حلم الاستقلال نتيجة الحرب الدولية التى تقودها الولاياتالمتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والتى قامت على أثرها الولاياتالمتحدة بتسليح قوات البشمركة الكردية فى مواجهة مسلحى داعش، فى الوقت نفسه الذى تركت فيه القوات العراقية مواقعها وتراجعت مما يعطى مؤشرا واضحا عن مستوى قوات الجيش العراقية المتواضع مقارنة بمستوى قوات البشمركة. إضافة إلى استغلال الخلاف الطائفى الذى لا يكاد يخلو يوم دون صدام مميت بين السنة والشيعة فى العراق، فى تقسيم العراق إلى دولة مستقلة للسنة وأخرى للشيعة. رابعا: سوريا إضافة إلى الحرب الطاحنة الدائرة فى سوريا، وأزمة الأكراد فى الشمال الشرقى خاصة فى عين العرب والتى تواجه خطر سيطرة تنظيم داعش من حين لآخر، فإنه من المتوقع أن ينال مشروع التقسيم الجديد من الكيان السورى والذى قد يلقى نفس المصير العراقى بالتقسيم إلى ثلاثة دول بضم الإقليم الشرقى إلى دولة كردستان، وإنشاء دولة للسنة وأخرى للشيعة على الحدود اللبنانية. خامسا: اليمن والحوثيون ترجع مشكلة الحوثيين فى اليمن إلى عام 1962 عقب قيام الثورة اليمنية وانتهاء الحكم الإمامى، الذى كان يسيطر على اليمن آنذاك، وذلك باعتبار أن العوامل الدينية والعرقية هى التى تسيطر على القبائل اليمنية، فالحوثيين -والذين كونوا أول تكتل لهم تحت هذا الاسم فى عام 1986 نسبة إلى مؤسسها بدر الدين الحوثى- هم من أتباع المذهب الشيعى الزيدى، وهم يختلفون فى ذلك عن باقى القبائل اليمنية التى تتبع أغلبها المذهب السنى، إضافة إلى توحيد اليمن جنوبا وشمالاً أصبح حلم الحوثيين فى الانفصال الثقافى والفكرى واستقلالهم بهويتهم الثقافية بعيد المنال، حيث عمل النظام اليمنى عقب الوحدة بين الشمال والجنوب على الدمج القسرى للحوثيين فى الشمال واستخدمت ضدهم كافة الآليات بما فى ذلك القوة العسكرية، وقد ساعد الحكومة اليمنية فى ذلك موقف المملكة العربية السعودية التى لم تتوانى عن استخدام القوة العسكرية لضحد الطموح الحوثى فى ضم المناطق الجنوبية للملكة إلى بؤرة الصراع، ولم تقدم الحكومة اليمنية البدائل التى تجعل قبائل الشمال بما فيها القبائل السنية تفضل اختيار الوحدة مع الحكومة اليمنية، حيث أدى غياب التنمية وانتهاك حقوق الانسان المتزايد إلى تعاطف باقى القبائل مع الحوثيين والتضامن معهم فى مطالبهم. من ناحية أخرى، هناك قوى خارجية تساعد الحوثيين على الانفصال بشمال اليمن، فعلى الرغم من الاختلاف المذهبى للحوثيين عن الشيعة الإثنى عشرية فى إيران، إلا أن إيران تقدم جميع أنواع الدعم اللوجستى للحوثيين سواء العسكرى أو المادى، لخلق ظهير شيعى لمحاصرة المملكة العربية السعودية، وإعادة السيطرة على منطقة الخليج العربى وتحويله إلى منطقة نفوذ إيرانية خالصة، وهو ما اضطر المملكة العربية السعودية لقيادة عملية عاصفة الحزم لتدمير البنية العسكرية للحوثيين فى اليمن ووقف الدعم الخارجى لهم من خلال الحصار البحرى ومراقبة الحدود اليمنية بالكامل.