هناك أمر ما جيّد يدور فى الحياة السياسية. فبعد التأكُّد من فشل كل التيارات التى كان من المنتظر أن تكون الظهير السياسى لنظام السيسى فى مجلس النواب، لجأت دوائر ما يستمع إليها الرئيس مؤخرًا إلى حزب الوفد الأكثر شعبية وصاحب التاريخ الطويل فى النضال السياسى، فقد كان حزب الوفد عند نشأته فى قلب الثورة المصرية سنة 1919 نموذجًا لمقدرة الحركة الوطنية فى آسيا وإفريقيا على تعبئة شعوبها وقيادة مطالبها لتحرير الأوطان من القهر الإمبراطورى الذى نزل عليها بالتحديد من أوروبا. وعلى ساحة الحركة الوطنية فى آسيا وإفريقيا كانت هناك ثلاثة أحزاب كبيرة، كل واحد منها له شأن فى وطنه وحول وطنه وربما أبعد. حزب الجومنتانج فى الصين وقد أسسه (سن يان سن) وقاد به حلم شعبه فى التحرر من السيطرة الأجنبية، وكانت ثورة سن يان سن دموية فى بعض مراحلها، لكن الحقائق على الأرض أملت ذلك، وحزب المؤتمر الهندى الذى تزعمه زعيم الهند الأسطورى المهاتما غاندى، لكن غاندى كان الدم آخر ما يريده، وكانت المقاومة السلبية هى الكفاح الوطنى، وحزب الوفد الذى قاده سعد زغلول، حركة تحرر وطنى ضد الاستعمار الأجنبى، وفى طلب الحرية السياسية، وهو حزب ليبرالى له خبرة سياسية طويلة ومعروف للغرب، ومن أهم ميزاته التاريخية احتواؤه لمعنى المواطنة. من هنا تأتى أهمية الوفد فى تلك المرحلة والحزب فى طريقه ليتسيّد المشهد السياسى فى الفترة القادمة، حتى ينضج الباقون ويتخلّصون من وهم شهرة الفضائيات التى يظنون أنها ستأتى بهم إلى البرلمان، لكن العقبة الوحيدة أمام الوفد هى رئيسه السيد البدوى، الذى يسحق البقية الباقية لتاريخ وسمعة الحزب من أجل مصالحه الخاصة، وبقراءة تاريخ البدوى منذ رئاسته للحزب لا بد أن نشعر بالخزى والعار، فاجتماعاته مع آن باترسون، المندوب السامى الأمريكى فى القاهرة، كان يشوبها كثير من علامات الاستفهام، كما أن دوره كان كبيرًا مع الإخوان، وبالتحديد وقت التحضير لانتخابات البرلمان بعد دستور الإخوان. فقد عقد صفقة مع سعد الكتاتنى الذى وعده بمئة مقعد أو مئة وعشرين مقعدًا. وأجّل الاثنان اسم الدوائر لحين ظهور الخريطة النهائية للدوائر. وإن كان الاتفاق قد تم على أسماء كبيرة وعائلات وفدية عتيدة لا يمكن أن تبتعد عن البرلمان. والاجتماعات والتنسيقات ما بين البدوى والكتاتنى كانت مستمرة. فالبدوى كان رسول السلام ما بين جبهة الإنقاذ والإخوان. كما أنه على صداقة وطيدة وقديمة بالكتاتنى. فابنة الكتاتنى خريجة كلية الصيدلة تعمل فى شركة «سيجما للأدوية» التى يمتلكها البدوى. والصداقة ما بين الاثنين صداقة عائلية، كان يستفيد منها الإخوان ويستفيد منها البدوى وحده. ويخسر فيها «الوفد». الرجل أساء إلى الحزب ولا بد أن يرحل، وأظن أنه قد قُرأت فاتحته وفى القريب سيرحل، ليدخل «الوفد» عصرًا جديدًا يلعب فيه دوره السياسى فى غياب فكر ورجال سياسة تجر الأمة إلى كارثة.