شىء مروّع هذا الذى فعله ويفعله بعض قادة مؤسسة الأزهر الشريف ضد الباحث الصديق إسلام البحيرى، إذ وصل الأمر إلى درجة ملاحقة الرجل ومحاولة إسكاته ومصادرة رأيه وكتم أنفاسه، بل وإدخاله السجن إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. لماذا؟! لأنه تجرأ واجتهد وقدم رؤية إيمانية مختلفة للدين الحنيف تُبرز «من وجهة نظره» جوهرَه التقدمى الراقى، وتزيل عن كاهله حمولا ثقيلة جدا من الخرافات المؤذية للعقل والروح، إذ تزين التأخر وتمجد التخلف بقدر ما تحرض على القسوة والغلظة والجلافة. لقد داهمتنا فى الأيام الماضيات سلسلة أخبار قبيحة ومرعبة، من نوع أن الأزهر قدم لهيئة الاستثمار (التى ترخص للقنوات الفضائية) طلبا بوقف برنامج تليفزيونى يقدمه الصديق «إسلام» على إحدى الفضائيات ويعرض فيه آراءه واجتهاداته التى وصفها الطلب المنسوب إلى الأزهر بأوصاف فظيعة أخطرها «التشكيك فى ثوابت الدين»، فضلا عن «إثارة الشبهات»، و«الخوض فى صحيح البخارى ومسلم».. هل «البخارى» و«مسلم» من ثوابت الدين؟! هل أدخلهما بعض الشيوخ الأجلاء ضمن «أصل العقيدة» وأنزلوهما منزلة فروض «الصلاة» و«الصيام» و«الزكاة»، و«حج البيت مَن استطاع إليه سبيلا»؟! طلب المصادرة آنف الذكر سارعت هيئة الاستثمار بالاستجابة إليه ونشرت الصحف أمس أن الهيئة أرسلت بالفعل إنذارا للشركة المالكة للفضائية التى يبث منها «إسلام» برنامجه خطابا تأمرها فيه بوقف هذا البرنامج خلال 15 يوما، وإلا فالقناة نفسها سوف تكون عرضة للإغلاق (!!) ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما زاد عليه أن المسؤولين فى الأزهر الشريف أعلنوا عزمهم تقديم بلاغ إلى النائب العام ضد الباحث بتهمة «ازدراء الإسلام» شخصيا!!! أظن أن ألف علامة تعجب لن تكون كافية للتعبير عن مقدار الدهشة المخلوطة بالحزن تجاه واقعة من هذا الصنف (ليست نادرة ولا وحيدة بكل أسف) تشى بأننا لا نواجه ولا نحارب فقط عصابات إرهابية وفاشية متفوقة فى الإجرام تقتات على «تأميم الدين» ونشله، بينما هى تستعمل شعاراته كأداة لدفن العقل ومصادرة التفكير وتجريم الاجتهاد والسطو على أرواح الناس وحرياتهم، وإنما نواجه ونشكو من أعراض ثقافة قاتلة راسخة تبدو مستشرية ومتغلغلة فى أحشاء المجتمع وأهم وأخطر مؤسساته الروحية. أريد أن أوضح نفسى، فلست أدافع عن آراء واجتهادات الصديق «إسلام» (العبد لله غير مؤهل لذلك أصلا)، كما أننى لا أستنكر ولا أنكر على مشايخ الأزهر حقهم فى تبنى آراء مخالفة وناقدة ومتناقضة مع يؤمن به هذا الباحث المجتهد وغيره، بالعكس، فالخلاف أمر طبيعى وصحى، بل هو «رحمة»، لكننى أستنكر بشدة أن يتم جرجرة مؤسسة الأزهر إلى مستوى فى إدارة الخلاف (بالمصادرة والنيابات ومحاكم الجنح والتفتيش فى الضمائر) لا يليق بها أبدا، فضلا عن أنه يصطدم بعنف مع أحلامنا فى بناء مجتمع جديد متقدم يزهو وينعم أهله بالحرية ويتنفسون فى مناخ نقى من شتى صور الترهيب والإرهاب وأسباب سجن العقل فى زنازين الخرافات الموروثة التى بدورها تحرس التأخر وتكرسه وتستولد من رحمها المظلم مزيدا من عصابات القتل والتخريب. لقد كتبت هنا من قبل (بمناسبة حادثة مشابهة)، أن المصادرة مثل «الكفر»، والعياذ بالله، ملة واحدة لا يجملها ولا يقلل من قبحها وشذوذها أية ذرائع أو تعلات، وقلت إن الحرية تكاد شرعتها تحمى الآراء والاجتهادات الخاطئة قبل الصائبة، إذ إن رأيى أنا صواب يحتمل الخطأ ورأيك أنت خطأ يحتمل الصواب.. هكذا قال الإمام الشافعى، رحمه الله ورحمنا. وأختم بالسؤال عن شعار «تجديد الخطاب الدينى»، وكيف -إن شاء الله- «سنجدده».. بالمصادرة وتجريم وتحريم الاجتهاد وتقديم المجتهدين إلى محاكم الجنح؟!!