تجدد الحديث مرة أخرى حول نسب أغنية «قارئة الفنجان» كاملة إلى الموسيقار محمد الموجى، حيث إن الموسيقار والموزع والملحن وعازف الكمان ميشيل المصرى قبل بضع سنوات قال إنه صاحب المقدمة اللحنية التى نسمعها، وإنه قدم لعبد الحليم عدة اقتراحات، ثم وقع اختياره على تلك التى تم اعتمادها. أعاد زميلنا العزيز الناقد الموسيقى اللبنانى، جمال فياض، قبل أيام، فتح هذا الملف مرة أخرى على صفحات مجلة «زهرة الخليج» الإماراتية، مما يوحى لمن يقرأ دون أن يعلم كواليس صناعة الأغانى فى مصر أن بالفعل للقصيدة ملحنين، واحد للشعر والثانى للمقدمة. ميشيل المصرى أحد الموهوبين رغم ندرة ما أبدعه، يكفى أن أذكركم أنه عندما اعتذر عمار الشريعى عن تلحين مقدمة «ليالى الحلمية» لضيق الوقت أسند إليه المخرج إسماعيل عبد الحافظ تلحين كلمات سيد حجاب بصوت محمد الحلو، فكان هو اللحن الشجى الذى استحوذ على مشاعرنا، ولا يزال منذ انطلاق الجزء الأول عام 87، وستجد له أيضا المقدمة المليئة بروح البهجة «مين اللى ما يحبش فاطمة» عام 93، وهو بالمناسبة أنجح أغنيات محمد ثروت. ميشيل عازف كمان من الفصيلة النادرة، لا أظنه سوى أنه يقول ما يعتقد أنه الحقيقة، لأنك بالفعل فى كل أحاديث محمد الموجى وعبد الحليم حافظ تكتشف أن تنفيذ اللحن أسهم فيه عبد الحليم بقسط وافر من خلال قيادته للفرقة الموسيقية، بل أكثر من ذلك أنه فى حضور الملحن كان عبد الحليم هو الذى يقود الفرقة، وهو الذى يحدد هل نعيد الكوبليه أم نكتفى بهذا القدر. عبد الحليم مع مرور الزمن أصبح هو المسيطر على كل تفاصيل العمل الفنى، وهذا هو سبب ابتعاد كمال الطويل عن استكمال مشواره فى الأغانى العاطفية مع عبد الحليم، بعد أن أصبح كما قال لى الطويل يشعر بأنه الزعيم، لاحظ الطويل ذلك فى أثناء بروفات «بالأحضان» فابتعد. يقول الطويل لم أكن أستطيع التوقف عن تلحين الأغانى الوطنية، لكنى بعد «بلاش العتاب» توقفت عن استكمال المسيرة العاطفية، ولا يعرف الكثيرون أن الطويل استعان بالملحن رؤوف ذهنى لوضع اللزم الموسيقية للحن «بلاش العتاب»، لكنه بعد أن استمع إليها لم ترضه فنيا، فأعاد تلحينها مرة أخرى. مقدمة «قارئة الفنجان» بها ترديد لجمل موسيقية رئيسية عديدة، مأخوذة عن لحن الموجى للقصيدة، ولا تستطيع أن تعتبرها إبداعا خاصا لميشيل، حتى لو حملت تطويرا لجملة موسيقية أو أكثر، ثم إن هذه هى دائما قواعد اللعبة الموسيقية فى بلادنا خلال الأربعين عاما الأخيرة، الملحن يترك فى العادة اللحن بلا مقدمة ولا لزم موسيقية، ويتولى الموزع نسج كل التفاصيل متكئا على التيمة الرئيسية فى اللحن الأساسى. الموجى هو أغزر ملحن عرفته الموسيقى العربية طوال تاريخها، ولا ينافسه سوى بليغ حمدى، يبدو لى وكأن الموجى يعرق موسيقى، فهل كان عاجزا عن مقدمة أو لزمة، إنه قانون جديد ارتضاه الموجى فى التعامل مع عبد الحليم عندما بدأ يستشعر أنه المسؤول الأول والأخير عن تفاصيل الأغنية، عبد الحليم له رأى مباشر يقول فيه أغنى اللحن بوجهة نظر ملحنه فقط فى التسجيل الأول، بعد ذلك أقدم اللحن بوجهة نظرى أنا. الموسيقار ميشيل المصرى لحق بالمحطة الأخيرة لزمن العمالقة، وشارك بالعزف أيضا فى فرقة «أم كلثوم»، فهو قامة وقيمة كبيرة، ابتعد عن الساحة لظروفه الصحية، ولا أستطيع أن أوجه إليه أى لوم على هذا التصريح الملىء بظلال الاتهامات التى من الممكن أن تلاحق موسيقار بقامة وقيمة محمد الموجى، ورغم ذلك لدينا شهود أحياء مثل عازفى الأورج فى الفرقة الماسية التى كانت تصاحب عبد الحليم دائما، وهما هانى مهنا ومجدى الحسينى، فلماذا لا يدلى كل منهما برأيه بدلا من أن نستشعر أن الطريق لحل لغز «قارئة الفنجان» مسدود مسدود مسدود!!