ذهبت الجيوش إلى سيناء بلا خطة.. بلا بنك أهداف. هذه حقيقة. وهى حقيقة تفتح على حقيقة أخرى وهى أن النظام الذى يقف وراء الحرب مفتقر إلى المعنى. وسيناء ومساكينها اليوم يدفعون «كاش»، ومن دمهم، ثمن عدم وجود خطة وثمن افتقار إلى المعنى. ما استراتيجية النظام فى سيناء؟ القضاء على بيت المقدس؟ اليوم وبعد أكثر من سنتين على إطلاق الحرب، صارت بيت المقدس أكثر عددا وعُدَّة، مما كانت عليه منذ سنتين. حين بدأت الحرب كان بإمكاننا، كمواطنين عاديين، انتقاد تصرفات بيت المقدس علنًا. اليوم لم نعد نستطيع أن نرفع نظرنا فى وجه ملثميها. فى نفس الوقت الذى علينا أن ندفع فيه ثمن غياب المعنى. اليوم لم يعد أحد فى العالم يخجل من الحديث عن ارتباك الحرب فى سيناء، وعلينا أيضا أن لا نخجل، فنحن مَن يدفع الثمن. إذا كنا نقول إن ما يحدث فى سيناء وراءه أيادٍ خارجية، وهو كلام مثير للسخرية، ليس لأنه لا أيادى خارجية فى المشهد، بل لأن الأيادى الخارجية لديها معنى يقاتل ضد لا معنانا حتى وإن كان معناها هو الموت. معنى الموت لا ينتصر حين يواجه معنى الحياة. تلك مقدمات تفرض علينا أن نراجع معنانا ووجوده. سألت: كم تتوقعون أن تكون نسبة مَن هاجروا بسبب الحرب؟ واحد قال: فى حدود 10٪. هذه نسبة قليلة، قياسًا بمعدل الهجرة من مناطق الحروب، لكنها أيضا نسبة كاشفة عن حجم الفقر المنتشر بعد أكثر من 32 سنة على تحرير سيناء. فمعظم مَن يملكون فرصة للحياة فى مكان آخر هاجروا إليه. ولم يبقَ على الأرض سوى الفقراء الذين يسترون فقرهم باستمرارهم فى العيشة التى تعودوا عليها، وتعودَتْ عليهم. القصف المرعب غير مهمّ، حظر التجوال غير مهمّ، قطع الشبكات غير مهمّ، المهم أن الكثير منهم صاروا زبائن فى عيادات الأطباء النفسيين. هؤلاء هم مَن لا يراهم ولا يحس بهم مَن يقرعون طبول الحرب فى القاهرة كأنه قد كُتب على سيناء أن تدفع، ومن دمها، ثمن الحروب الوهمية للدولة، دون أن يكون من حق مواطنيها أن ينبسوا ببنت شفة: فهم الأعراب الجواسيس، تجار المخدرات، سارقو أحذية الجند... إلخ. يخطئ مَن يعتقد أن فى سيناء قتالا.. فى سيناء قتل. يخطئ مَن يعتقد أن فى سيناء حرب.. فى سيناء مقتلة. والقتل والمقتلة لن ينتهيا بمزيد من دق طبول الحرب. سينتهيان حين نحطهما تحت عنوانهما الصحيح: جريمة..! والجرائم عمرها ما هزمت عدوًّا ولا نصرت حليفًا. هى فقط جرائم عابرة كعبور مقترفيها. وقت تقديم الحلول انتهى، من وجهة نظرى. لكن انتهاء الوقت لا يعنى موت المحاولة. فى هذا السياق يأتى قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها . زراعة الفسيلة اليوم هى المعادل لإعلاننا وقف الجريمة. وقف الجريمة لا يعنى وقف الحرب على الإرهاب. وقف الجريمة يبدأ بخطة منحازة إلى الحياة. منحازة إلى الإنسان. وبما أن هذه الخطة غير موجودة فسوف تستمر الجريمة، وسوف يتواصل تدمير الحياة.